وقوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى:{وَأَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} هنا: الرُّؤْية بمَعنَى العِلْم في المَوْضِعين، كما قدَّرها المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ، يَعنِي: أَوَلَمْ تَعلَم أنَّ اللَّه تعالى بما تَعمَلون خَبير.
فإن قال قائِل: عِلْمي بأنَّ اللَّه تعالى يُولِج الليل في النهار، وأنه سخَّر الشمس والقمَر، عِلْمٌ طريقُه الحِسُّ، فأنا أُشاهِد ذلك، لكن:{وَأَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} ما طريق هذا العِلْمِ، هل هو الحِسُّ الشاهِدُ أو الخبَرُ الصادِقُ؟
فالجَوابُ: الخبَر الصادِق لا شَكَّ، نحن نَعلَم أن اللَّه تعالى بما نَعمَل خَبير؛ لأنه أَعلَمنا بذلك سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وهو أَصدَق القائِلين، ونحن نَعلَم ذلك أيضًا عن طريق الحِسِّ الشاهِدِ؛ لمِا نُشاهِد من عُقوبات المَعاصِي مثَلًا، ومن ثواب الطائِعين، وممَّا يَحدُث للإنسان نَفْسِه من أثَر الطاعة، ومن أثَر المَعصية، فالإنسان المُؤمِن يَحصُل له من المَعصية أثرٌ سَيِّئ في نَفْسه، حتى إن بعض الناس يَضيق صَدْره، ولا يَدرِي ما السبَبُ، لكن سبَبه مَعصية خَفِيَت عليه كما قال النبيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ:"إِنَّهُ لَيُغَانُ عَلَى قَلْبِي، وَإِنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ فِي الْيَوْمِ مِئَةَ مَرَّةٍ"(١) أو كما قال عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، فالإنسانُ يُحِسُّ بعِلْم اللَّه عَزَّ وَجَلَّ وخِبْرته بما يَعمَل من الآثار.
والحاصِلُ: في قوله تعالى: {وَأَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} أن نَقول: نحن نَعلَم ذلك عن طَريقين هُما: الخبَرُ الصادِق والحِسُّ الشاهِد؛ فنُحِسُّ بذلك بما نَرى من آثار أعمالنا الصالحِة، أو آثار أعمالنا السَّيِّئة، ومن الفرَج عند الكَرْب، فهذا أيضًا من العَلامات، فالحاصِلُ من هذا: أن يَكون هذا التَّقديرُ: {أَلَمْ تَرَ} تَعلَم، وقيل: للأَمْر الواقِع المُشاهَد المَحسوس، والأَمْر المَعلوم عن طريق الخبَر الصادِق.
(١) أخرجه مسلم: كتاب الذكر والدعاء، باب استحباب الاستغفار والاستكثار منه، رقم (٢٧٠٢)، من حديث الأغر المزني -رضي اللَّه عنه-.