وقوله رَحِمَهُ اللَّهُ: [{إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ} بالبَعْث] يَعنِي بالبَعْث وما فيه، وليس بالبَعْث فقَطْ، بل بالبَعْث والحِساب والجَزاء من خَيْر وشَرٍّ.
وقوله تعالى:{حَقٌّ} بمَعنَى: ثابِت واقِع، وهذا من ضِمْن قوله تعالى:{ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ}[لقمان: ٣٠] من كونه حَقًّا: أن اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى حقٌّ، ووَعْدُ غيره قد يَكون حَقًّا وقد يَكون باطِلًا غير مُوفًّى به؛ لأن غير اللَّه عَزَّ وَجَلَّ قد يَتَخلَّف مَوْعوده إمَّا لكذِبٍ في الواعِد وإمَّا لعَجْز فيه.
فمثَلًا: رجُل قال لك: سآتِي إليك بعد صلاة العَصْر مُباشَرةً بطبَق من الخُبْز وكَأْس من المرَق، وبعد العَصْر لم يَجِئْ لك بشيء، وعنده أطباق الخُبْز وعِنده كُؤوس المرَق؛ لكن لم يَجِئْ بشيء لكَذِبه؛ وفي اليوم الثاني ما جاء لك بشيء؛ لأنه ليس عنده شيء، لا عنده فُلوس يَشتَرِي بها، ولا عنده شيء في البَيْت، فهذا أيضًا أَخلَف المَوعِد للعَجْز.
ومن العَجْز أيضًا النِّسيان؛ لأن النِّسيان في الحقيقة نَقْص في الإنسان، فاللَّه عَزَّ وَجَلَّ وَعْده حَقٌّ لا بُدَّ أن يَقَع.
فقول المُفَسِّر:[بالبعث] الصوابُ: بالبَعْث وغيرِه، ممَّا يَكون في ذلك اليومِ من الحِساب والجَزاء.
وقوله تعالى:{فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ} هنا الفِعْل مُؤكَّد بنون التَّوْكيد، والتَّوكيد في الفِعْل من غير الواجِب؛ فإنه ليس واقِعًا في جواب القَسَم، فما دام في جَواب القَسَم ليس بواجِب فإِذَنْ: هو من غير الواجِب، لكنه كثير.