للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إنه الغِناءُ، والغِناء يُنبِت النِّفاق في القَلْب.

وتفسير الصَّحابيُّ حُجَّة، حتى ذهَب الحاكِم (١) رَحِمَهُ اللَّهُ وجماعة من أهل العِلْم إلى أن تفسير الصحابيِّ له حُكْم الرَّفْع، يَعنِي: يَكون كالحديث المَرفوع، والصحيح أنه ليس له حُكْم الرفع، إلَّا أن يَكون ممَّا لا مَجالَ للاجتِهاد فيه، فأمَّا مجُرَّد تفسير آية بمُقتَضى اللغة العربية فإنَّ الصحيح أن تَفسير الصحابيِّ ليس في حُكْم الرَّفْع، لكنه مُقدَّم على غيره.

ثُمَّ اعلَمْ أنَّ المُفسِّرين من الصحابة والتابِعين ومَن بعدَهم قد يَذكُرون تفسير الآية على سبيل المِثال، لا على سبيل الحَصْر، فإذا قال ابنُ مَسعودٍ -رضي اللَّه عنه-: إن المُراد بلَهْو الحديث الغِناءُ، لا يَعنِي أنه لا يَتَناوَل غيره، قد يَكون هذا على سبيل التَّمثيل فقَطْ.

ويَدُلُّك لهذا قوُله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ} [فاطر: ٣٢]، قال بعضُ العُلماء رَحِمَهُم اللَّهُ في التَّفسير: الظالِم لنَفْسه هو الذي يُؤخِّر الصلاة عن وقتها. وقال آخَرون: هو الذي لا يُزكِّي، ثُمَّ قال: {وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ}: إِذَنِ المُقتَصِد هو الذي يَأتِي بالصلاة في آخِر وقتها، وقال آخَرون: هو الذي يُؤدِّي الزكاة المَطلوبةَ فقَطْ، وقوله تعالى: {وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ} قال بعضهم: هو الذي يُصلِّي الصلاة في أوَّل وَقْتها. وقال آخَرون: هو الذي يُؤدِّي الزكاةَ والصدَقاتِ.

وهذا يَدُلُّ على أن العُلَماء رَحِمَهُم اللَّهُ قد يُفسِّرون الآية ببعض الأمثِلة، فلا يُنافِي أن تَكون الآية مُتناوِلة لغيرها، فتَفسير ابنِ مَسعود وابنِ عبَّاس -رضي اللَّه عنهما- وغيرهما


(١) معرفة علوم الحديث (ص ٢٠).

<<  <   >  >>