للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لِلَهْو الحديث بأنه الغِناء، لا يَعنِي أنه يَمتَنِع أن يُراد بالآية ما هو أعمُّ.

وعلى هذا فنَقول: الآية تَشمَل كل لهوِ حديثٍ لا نَفْعَ فيه من الغِناء، ومنه أيضا مُطالَعة ما يُكتَب في الصحُف والمَجلَّات من الكلام الهُراء الذي لا فائِدةَ منه فإنه في الحقيقة مَضيَعة للوَقْت، وإذا كان يَشُدُّ الإنسانَ إلى ما هو أبطَلُ، صار أشدَّ.

فعلى كل حال نَقول: لهوُ الحديث كل حديث لا فائِدةَ منه، سواء كان ذلك يَجُرُّ إلى مُحرَّم، أو لا يَجُرُّ إلى مُحرَّم، لكن إن جَرَّ إلى مُحرَّم صار أعظَمَ.

فإذا قال قائِل: الآية يَقول اللَّه تعالى فيها: {لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ}، أو (لِيَضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ) وأنت قلت: إن لَهْو الحَديث كل ما لا نَفعَ فيه، وما لا نَفْعَ فيه قد يُضِلُّ وقد لا يُضِلُّ.

فإننا نَقول: إن الإنسان إذا عوَّد نَفْسه على أن يَشتَغِل بهذا اللهوِ الذي لا نَفعَ فيه جرَّته إلى ما فيه مَضرَّة؛ لأن النفس إمَّا أن تَشغَلها بالحَقِّ أو تَشغَلك بالباطِل؛ واللَّام في قوله رَحِمَهُ اللَّهُ: (لِيَضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ) أو {لِيُضِلَّ} هل هي للتعليل أو للعاقِبة؟

الجَوابُ: هي صالحِة للأَمْرين، فإن كان الإنسان يَقصِد بلَهْو الحديث أن يُضِلَّ غيره به، فاللَّام للتَّعليل، وإن كان لا يَقصِد ذلك فاللَّام للعاقِبة، مثال التي للعاقِبة: {فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا} [القصص: ٨]، فاللَّام هنا لا شَكَّ أنها للعاقِبة؛ لأنهم ما أَرادوا أن يَكون لهم عَدُوًّا وحزَنًا، إنما أَرادوا العَكْس، إنما العاقِبة صارت كذلك.

فإن قال قائِل: تَفسير اللهوِ بالغِناء، هل هو الغِناء المُحرَّم أم كل الغِناء؟

فالجَوابُ: الغِناء المُحرَّم، أمَّا الغِناء الذي ليس مُحرَّمًا فلا يَدُلُّ في الآية إلَّا إن شغَل عن ما هو أهمُّ منه صار داخِلًا فيه.

<<  <   >  >>