للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

من فوائد الآيتين الكريمتين:

الْفَائِدَة الأُولَى: أنَّ هذا القُرآنَ مِن طريقته أنه إذا ذَكَر العذاب ذَكَر النعيم، وإذا ذَكَر المُؤمِنين ذَكَر الكافِرين، وهكذا، لأنَّه لو ذُكِر الإيمان أو المُؤمِنون ولم يُذْكَر ما يُضَادُّه غَلَبَ على الإنسان جَانِبُ الرجاء، ولو ذُكِرَ التخويف وأهل النار غَلَب عليه جانِبُ الخوف، وهذا يَضُرُّ المرء، وإنَّما يَكون المَرْء آدمَّ إذا صار يَسير إلى اللَّه عَزَّ وَجَلَّ بَيْن الخوف والرجاء.

الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: فَضيلةُ الإيمان والعمَل الصالِح، ويُؤْخَذُ ذلك من قوله: {لَهُمْ جَنَّاتُ}؛ ووجهُه: أنَّ الثواب بِالحُسنى على العَمَل يَدُلُّ على مَدحِه والثَّناءِ على فاعِلِه.

الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ: أنَّ الإيمان لا يَكفِي، بل لا بُدَّ مِن عَمَلٍ صالِح، فمُجَرَّد العقيدة لا تَكفِي إذا لم يَكُن عمل صالِح، بل ربما نَقول: إنَّه إذا لم يَكُن عمَل صالِح فهو دليل على أنَّه لا عَقيدةَ، لأنَّ النبيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ يَقول: "أَلا وَإِنَّ فِي الجَسَدِ مُضْغَةً، إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ" (١).

لكن مِن الأعمال مَا لا يُخْرِج مِن الإيمان، لا فِعْلُه ولا تَرْكُه، فيَكون من الكبائر لكن لا يُخْرِج مِن الإيمان، وإنَّما يَدُلُّ على ضعْف العَقيدة والإيمان، ومن الأعمال ما يَكون فِعْلُه أو تَرْكُه كُفْرًا، فلو أنَّ أحدًا غلا بِشخصٍ حتى رفَعَه إلى مَنزِلة الرَبِّ، كان بذلك كافِرًا، وإن كان يَعتَقِد أن اللَّه تعالى مَوْجود، وأن اللَّه لَه الأسباب الكامِلة، ولو أن أحَدًا لم يُصَلِّ كان كافِرًا، ولو كان يَقول: أَشهَدُ أن لا إلهَ إلَّا اللَّهُ وأنَّ محُمَّدًا رسولُ اللَّه.


(١) أخرجه البخاري: كتاب الإيمان، باب فضل من استبرأ لدينه، رقم (٥٢)، ومسلم: كتاب المساقاة، باب أخذ الحلال وترك الشبهات، رقم (١٥٩٩)، من حديث النعمان بن بشير -رضي اللَّه عنه-.

<<  <   >  >>