عليه يوم الجمعة، وكان أولاً يخطب على الأرض، ويتكئ على جذعٍ من النخل، قطعة جذع، من النخل، ثم صُنع له المنبر من طرفاء الغابة، فخطب عليه، ولما تجاوز الجذع يريد أن يصعد المنبر، حنّ الجذع حنيناً سمعه الناس، حتى جاءه، وهَدَّأَهُ - عليه الصلاة والسلام -، حتى سكت، وهذا من آيات اللَّه، ومن المعجزات حنّ حنيناً يسمعه الناس، شوقاً إلى صوته، واتكائه - عليه الصلاة والسلام - عليه، فهذا من الآيات والمعجزات، قال الحسن - رحمه الله -: إذا كان جذع أصمّ يحنُّ، ويتألم من فراق النبي - صلى الله عليه وسلم -، فكيف بالمكلَّف؟ المكلَّف جدير بأن يحرص على سنته، واتباعها، وتعظيمها.
وفي حديث سهل: أنه صلى عليه ليُعلِّم الناس، كبَّر وقرأ وهو عليه، وركع وهو عليه، ثم رجع القهقري خلفه، فسجد في أصل المنبر، ثم عاد فصعد فصلى كمّل عليه، فلما فرغ قال:«إنَّمَا فعلتُ هذَا لتَاتَمُّوا بِي، وَلِتَعَلَّمُوا صلاتي»(١)، قال للناس: أي ليعلموا ليشهدوا صلاته, البعيدون يشاهدون ويرون صلاته، وليعلموا أن هذا الصعود، وهذا الارتفاع ما يضر كونه يصعد في محل مرتفع قليل، ليراه الناس، أو لضيق المسجد، فلا بأس بذلك، وكونه يخطو خطوات لحاجة، كأن يتقدم الصفوف عند الضيق، والمصلون يتقدمون لا بأس، أو يتقدم ليمنع المار بين يديه لا بأس، فالتقدم والتأخر للحاجة والمصلحة لا يضر في الصلاة، وقد فعله النبي - عليه الصلاة والسلام -، وهكذا لو كان أمام المصلي فُرجة في الصف
(١) رواه البخاري، برقم ٩١٧، ومسلم، برقم ٥٤٤، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن ١٤٠.