اللَّه ورحمته - سبحانه وتعالى -؛ لأن قطعهما قد يُفسدهما؛ ولأن الحاجة ماسة إليهما عند فقد النعلين، فأشبهت السراويل، كما أن السراويل لا تُشق، بل تلبس عند فقد الإزار، كذلك الخف، لا يقطع عند فقد النعلين، تلبس هكذا، هذا هو الصواب، وهو الأمر الأخير من النبي - عليه الصلاة والسلام -، وقال الجمهور: إنه يقطعهما، وأن هذا مقيد، والأكثرون على أن حديث ابن عباس مقيد بحديث ابن عمر وأنه لا بد من القطع، وهذا وجيه على القاعدة المعروفة، وهي حمل المطلق على المقيد، لكن يعترض على هذا: أن النبي خطب الناس بعرفات، وعرفات فيها الجمع الغفير الذين لم يحضروا خطبته في المدينة، فلو كان القطع أمراً لازماً لبيّنه لهؤلاء الأمم الذين لم يحضروا خطبته في المدينة، فلما سكت عن هذا دلّ على أنه منسوخ، وأن القطع ليس بلازم، بل كان أولاً ثم نُسخ.
وفي حديث ابن عمر الثالث دلالة على شرعية التلبية، فيُستحب للمؤمن المُحرم أن يلبي بتلبية النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لبيك اللَّهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك»، سواء كان بحج، أو بعمرة يُشرع له هذه التلبية.
أولاً يبدأ بقول:«لَبَّيْكَ عُمْرَةً أوْ لَبَّيْكَ حَجًّا»(١). إن كان عمرة قال:
(١) أخرج مسلم عن أَنَسٍ - رضي الله عنه - قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَهَلَّ بِهِمَا جَمِيعًا: «لَبَّيْكَ عُمْرَةً وَحَجًّا، لَبَّيْكَ عُمْرَةً وَحَجًّا»، كتاب الحج، باب في الإفراد، والقران بالحج والعمرة، برقم ١١٣٢.