الحكم على الغائب, وأنه لا بأس أن يحكم على الغائب إذا توفرت الأدلة الشرعية، ولم يتيسر حضوره، يُحكم عليه، وهو على دعواه إذا كان له حجة، وجاء يقدم حجته، والصواب أن هذا الحديث ليس في القضاء، إنما هو في الفتوى، فتوى من النبي - صلى الله عليه وسلم -، وليس من باب القضاء، بل هذا ردها إلى ما تعلم: خذي من ماله بالمعروف ما يكفيك ويكفي بنيك. هذه فتوى يعني إن كنت صادقة فافعلي, دل ذلك على أن المرأة إذا كان زوجها لا يعطيها كفايتها، فإنها تأخذ من ماله بالمعروف، ولو لم يعلم. ما يكفيها ويكفي أولادها، وهم تحت يدها من دون إسراف ولا تبذير، وتتحرَّى الحق، وتجتهد في أن تكون النفقة مقتصدة، ليس فيها إسراف.
أما الحكم على الغائب فله شروط، إذا ادعي على الغائب فلا بد من إحضاره، حتى يُسمع كلامه، فإن لم يتيسر [فإحضار](١) وكيله، فإن لم يتيسر لا هو ولا وكيله حكم على الغائب بالبيِّنة، وهو على دعواه.
والحديث الثالث: حديث أم سلمة - رضي الله عنها -: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سمع جلبة خصومة عند الباب ــ جلبة يعني أصوات خصومة عند الباب ــ فخرج إليهم، وقال:«إنما أنا بشر، وإنما أقضي على نحو ما أسمع، ولعل بعضكم يكون ألحن في حجته من بعض، فمن قضيت له بحق أخيه، فإنما هي قطعة من النار، فليحملها أو يذرها».
والمعنى أن الحاكم ما يُحل الحرام، القاضي ما يحل الحرام،
(١) ما بين المعقوفين غير واضح، والظاهر أنه «فإحضار»، أو «إحضار».