للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

[مسند زيد بن حارثة رضي الله عنه]

٣٥٤ - قال البزار رحمه الله كما في "كشف الأستار" (ج ٣ ص ٢٨٣): حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ خَالِدٍ الْعَسْكَرِيُّ، ثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ وَيَحْيَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَاطِبٍ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَبِيهِ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ، قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وعلى آله وسلم وَهُوَ مُرْدِفِي فِي يَوْمٍ حَارٍّ مِنْ أَيَّامِ مَكَّةَ، وَمَعَنَا شَاةٌ قَدْ ذَبَحْنَاهَا وَأَصْلَحْنَاهَا فَجَعَلْنَاهَا فِي سُفْرَةٍ، فَلَقِيَهُ زَيْدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ، فَحَيَّا كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ بِتَحِيَّةِ الْجَاهِلِيَّةِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «يَا زَيْدُ -يَعْنِي ابْنَ عَمْرٍو-، مَا لِي أَرَى قَوْمَكَ قَدْ شَنِفُوا لَكَ؟ » قَالَ: وَاللهِ يَا مُحَمَّدُ، إِنَّ ذَلِكَ لِغَيْرِ تِرَةٍ لِي فِيهِمْ، وَلَكِنْ خَرَجْتُ أَطْلُبُ هَذَا الدِّينَ حَتَّى أَقْدُمَ عَلَى أَحْبَارِ خَيْبَرَ، فَوَجَدْتُهُمْ يَعْبُدُونَ اللهَ وَيُشْرِكُونَ بِهِ، فَقُلْتُ: مَا هَذَا بِالدِّينِ الَّذِي أَبْتَغِي، فَخَرَجْتُ حَتَّى أَقْدُمَ عَلَى أَحْبَارِ الشَّامِ، فَوَجَدْتُهُمْ يَعْبُدُونَ اللهَ وَيُشْرِكُونَ بِهِ، فَقُلْتُ: مَا هَذَا بِالدِّينِ الَّذِي أَبْتَغِي، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْهُمْ: إِنَّكَ لَتَسْأَلُ عَنْ دِينٍ مَا نَعْلَمُ أَحَدًا يَعْبُدُ اللهَ بِهِ إِلَّا شَيْخًا بِالْجَزِيرَةِ، فَخَرَجْتُ حَتَّى أَقْدُمَ عَلَيْهِ، فَلَمَّا رَآنِي قَالَ: إِنَّ جَمِيعَ مَنْ رَأَيْتَ فِي ضَلالٍ، فَمِنْ أَيْنَ أَنْتَ؟ فَقُلْتُ: أَنَا مِنْ أَهْلِ بَيْتِ اللهِ، مِنْ أَهْلِ الشَّوْكِ وَالْقَرَظِ. قَالَ: إِنَّ الَّذِي تَطْلُبُ قَدْ ظَهْرَ بِبِلَادِكَ، قَدْ بُعِثَ نَبِيٌّ قَدْ طَلَعَ نَجْمُهُ، فَلَوْ أُحِسُّ بِشَيْءٍ يَا مُحَمَّدُ. قَالَ: فَقَرَّبَ إِلَيْهِ السُّفْرَةَ، فَقَالَ: مَا هَذَا؟ قَالَ: «شَاةٌ ذَبَحْنَاهَا لِنُصُبٍ مِنْ هَذِهِ الأَنْصَابِ». فَقَالَ: مَا [ص: ٣٠٢] كُنْتُ لِآكُلَ شَيْئًا ذُبِحَ لِغَيْرِ اللهِ. وَتَفَرَّقَا.

قَالَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ: فَأَتَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم الْبَيْتَ وَأَنَا مَعَهُ، فَطَافَ بِهِ، وَكَانَ عِنْدَ الْبَيْتِ صَنَمَانِ أَحَدُهُمَا مِنْ نُحَاسِ، يُقَالُ لأَحَدِهِمَا: يَسَافُ، وَلِلْآخَرِ: نَائِلَةُ، وَكَانَ الْمُشْرِكُونَ إِذَا طَافُوا تَمَسَّحُوا بِهِمَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «لَا تَمْسَحْهُمَا؛ فَإِنَّهُمَا رِجْسٌ». قَالَ: فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: لأَمْسَحْهُمَا حَتَّى أَنْظُرَ مَا يَقُولُ. فَمَسَحْتُهُمَا، فَقَالَ: «يَا زَيْدُ، أَلَمْ تُنْهَ؟ » قَالَ: وَأُنْزِلَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وَمَاتَ زَيْدُ بْنُ عَمْرٍو، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «يُبْعَثُ أُمَّةً وَاحِدَةً».

هذا حديث حسنٌ.

وأخرجه أبو يعلى (ج ٦ ص ٣٧٢) بتحقيق إرشاد الحق الأثري، فقال أبو يعلى رحمه الله: حدثنا محمد بن بشار، قال: حدثنا عبد الوهاب بن عبد المجيد أملاه علينا من كتابه، حدثنا محمد بن عمرو به.

* وقال الحاكم رحمه الله (ج ٣ ص ٢١٦): حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب من أصل كتابه، ثنا الحسن بن علي بن عفان، ثنا أبو أسامة، ثنا محمد بن عمرو، عن أبي سلمة ويحيى بن عبد الرحمن بن حاطب، عن أسامة بن زيد، عن زيد بن حارثة رضي الله عنهما قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهو مردفي إلى نصب من الأنصاب، فذبحنا له شاة ووضعناها في التنور، حتى إذا نضجت استخرجناها فجعلناها في سفرتنا، ثم أقبل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يسير وهو مردفي في أيام الحر من أيام مكة، حتى إذا كنا بأعلى الوادي لقي فيه زيد بن عمرو بن نفيل، فحيا أحدهما الآخر بتحية الجاهلية، فقال له [ص: ٣٠٣] رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «ما لي أرى قومك قد شنفوك؟ » (١) قال: أما والله إن ذلك لتغير (٢) ثائرة كانت مني إليهم، ولكني أراهم على ضلالة، قال: فخرجت أبتغي هذا الدين حتى قدمت على أحبار يثرب فوجدتهم يعبدون الله ويشركون به، فقلت: ما هذا بالدين الذي أبتغي. فخرجت حتى أقدم على أحبار أيلة فوجدتهم يعبدون الله ويشركون به (٣)، فقلت: ما هذا بالدين الذي أبتغي. فقال لي حبر من أحبار الشام: إنك تسأل عن دين ما نعلم أحدًا يعبد الله به إلا شيخًا بالجزيرة. فخرجت حتى قدمت إليه، فأخبرته الذي خرجت له، فقال: إن كل من رأيته في ضلالة، إنك تسأل عن دين هو دين الله ودين ملائكته، وقد خرج في أرضك نبي أو هو خارج يدعو إليه، ارجع إليه وصدقه واتبعه وآمن بما جاء به. فرجعت فلم أحسن شيئًا بعد. فأناخ رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم البعير الذي كان تحته، ثم قدمنا إليه السفرة التي كان فيها الشواء، فقال: ما هذه؟ فقلنا: هذه شاة ذبحناها لنصب كذا وكذا. فقال: إني لا آكل ما ذبح لغير الله.

وكان صنمًا من نحاس يقال له: إساف ونائلة، يتمسح به المشركون إذا طافوا. فطاف رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وطفت معه، فلما مررت مسحت به، فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «لا تمسه»، قال زيد: فطفنا، فقلت في نفسي: لأمسنه [ص: ٣٠٤] حتى أنظر ما يقول. فمسحته، فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «ألم تنه؟ » قال زيد: فوالذي أكرمه وأنزل عليه الكتاب، ما استلمت صنمًا حتى أكرمه الله بالذي أكرمه وأنزل عليه الكتاب، ومات زيد بن عمرو بن نفيل قبل أن يبعث، فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «يأتي يوم القيامة أمة وحده».

صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، ومن تأمل هذا الحديث عرف فضل زيد وتقدمه في الإسلام قبل الدعوة.

قال أبو عبد الرحمن: هذا حديث حسنٌ، وليس على شرط مسلم؛ فإن مسلمًا لم يرو لمحمد بن عمرو بن علقمة إلا في الشواهد، كما في "تهذيب التهذيب".


(١) قد شنفوك: أي أبغضوك.
(٢) كذا وقع، وكذا هو في "المستدرك"، والصواب: لغير، كما وقع في رواية البزار المذكورة قبل هذه.
(٣) في الأصل: يعبدون الله ولا يشركون به. والصواب ما أثبتنا، كما في "سنن النسائي الكبرى" (ج ٥ ص ٥٤)، وكما تقدم هنا في حديث البزار.

<<  <  ج: ص:  >  >>