كنت أمس في مجلس، وكنا نتحدث فيما كان «يوم العرض» من «مناظر الكَشّافات، ومنظر الأسيرة، والعروس» حديثَ إنكار وأسف لما كان، ونعجب كيف جاز على رجال هذا العهد الوطني وهم -فيما نرى- أهل الشهامة والمروءة والغيرة على الأعراض. وكان في المجلس الزعيم الجليل عضو مجلس النواب، إبراهيم بك هنانو (١)، فرأيته يُعرض عن هذا الحديث ويَصرف عنه، وانقاد له الحاضرون فضربوا في أحاديث أخرى. فلما انفضّ المجلس خرجت معه فعاد إلى يوم العرض وخبره، واختصّني بهذا الحديث وأذِن لي أن أنشره.
قال رعاه الله: إنك لتعجب كيف تم هذا الخزي وكيف مرّ على رجال هذا العهد الوطني فلم يتنبهوا له، وأنا أخبرك بسرّ ما تعجب منه، وقعت عليه مصادفة ... وذلك أني ذهبت قبل العرض بأيام في حاجة لي إلى منزل «فلان» الفرنسي، ومنزله في الميدان الذي يتقاطع فيه الشارعان الكبيران: شارع يوسف العظمة وشارع كلية الهندسة، فوجدت المنزل كأنه خال والمتاع مرصوص مربوط، فعلَ المتهيّئ للسفر. وكان النور يسطع من شق باب غرفته، فهممت أن أدخل عليه، فسمعت كلاماً وحديثاً. فانتحيت ناحية أنتظر تمام الحديث إذ ليس من الأدب أن أدخل على متحدثَيْن، فسقط إليّ كلام لا يستطيع المرء أن يغلق أذنيه عن مثله. ولم يكن استراق السمع من عادتي، غير أني وقفت، وقد أدركت أن «فلاناً» هذا يتحدث مع «رجل ...» أعرفه من
(١) توفي رحمه الله سنة ١٩٣٥، قبل نشر هذه المقالة بإحدى عشرة سنة!