هذه صور من تواريخ علمائنا، أبعث بها إليكم وحدها لا أبعث معها بتعليق ولا بيان، ولتحدثكم هي حديثها ولتعلقوا أنتم عليها، ولتذكركم بأشباهها أو بأضدادها من سير من تعرفون، فتكون كالمعيار لهم والمقياس لأخلاقهم، ولتكون كالصنجات في موازين حكمكم عليهم، ترجح بها كفة قوم وتطيش كفة آخرين.
ولو أخذت هذه الصور من تواريخ الصدر الأول والقرون الماضية، حيث الدين غضٌّ والزمان مقبل والعلم في شبابه يتوثب من النشاط ويتفجر بالقوة، لرأيتم والله عجباً من العجب، وعندي من ذلك الكثير. ولكني آثرت أن آخذها من الأمس القريب، والعلم في كهولته يمشي مشية العاجز، يتلمس الجدران ويقارب الخطو، لا يستطيع أن يجانب الطريق المسلوكة خشية أن يتعثر أو يضل، لتروا أن الأرض لا تخلو من قائم لله بحجة، وأن أمة محمد إلى خير، وأنها لا تزال طائفة منهم على الحق إلى قيام الساعة.