للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

دخلتها فإذا هي صامتة ساكنة، لا يُسمع في أبهائها صوت مدرس بدرس أو دارسين بتلاوة، وإذا في كل فصل من فصولها رهط من التلاميذ، متفرقون في زوايا الفصل لا تنفرج شفاههم عن بسمة السرور ولا تلمع عيونهم ببريق الجذل، وإذا الأستاذ صاحب المدرسة قابع في غرفته يفكر حزيناً وينظر آسفاً، وهو الذي لم يألُ العملَ جهداً، ولم يسئ بالله ظناً، فلما رآني قام إليّ يحدثني عن المدرسة ويعلمني علمها، فإذا المدرسة قد زلزلت في مطلع هذا العام المدرسيّ لأن الناس قد مالوا عن المدارس الإسلامية وزهدوا فيها، وزاغوا إلى المدارس الأجنبية وأقبلوا عليها، وضنّوا على مدارسنا بدينار واحد في العام ليمنحوا تلك ثلاثة أرباع الدينار في الشهر!

وأفاض الأستاذ في البيان حتى امتلأت نفسي حَزَناً، فخرجت حزيناً فمررت على «الكاملية» (١) فإذا هي في خطب أشدّ ومصيبة أفدح، فجزت بـ «الجوهرية» (٢) فإذا هي ماتت بعد شيخ الشام،


(١) هي التنكزية الصغرى، دار قرآن وحديث شرقي حمام نور الدين الشهيد وراء سوق البزورية أنشأها نائب السلطنة تنكز سنة ٧٣٠. قلت: وسميت الكاملية الهاشمية لأن الأستاذ الشيخ كامل القصاب جدد بناءها وجعلها مدرسة ثانوية فكانت حيناً من أرقى مدارس دمشق.
(٢) الجوهرية شرقي تربة أم الصالح داخل دمشق بحارة بلاطة المعروف اليوم بزقاق المحكمة، أنشأها الصدر نجم الدين بن عباس التميمي الجوهري سنة ٦٧٦، وكان بعضهم أواخر القرن الماضي قسمها ثلاث دور. قلت: وقد أعادها مدرسةً وجدد بناءها الشيخ عيد السفرجلاني رحمه الله رحمة واسعة. وقد هدمت سنة ١٩٥٨ وصار مكانُها شارعاً.

<<  <   >  >>