للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

السباعي وعبد القدوس (١) أدب رفيع؟ هل يطرب لأغاني الأطرش وحافظ؟ هل يرتضي شعر الحداثة الذي لا جمال في لفظه ولا في معناه؟ هل يضع أولاده في المدارس الأجنبية؟ هل يؤمن بديمقراطية أميركا التي تشنق الزنجي إن قبّل امرأة بيضاء قد تكون من البغايا؟

قال: إنه على الطريق ... لم يصل بعد إلى هذه الدركة من الجنون.

ومشيت معه فأخذني إلى عمارة ضخمة في حيّ الحدائق (جاردن سيتي) فيها مصعد وتدفئة عامة وهواء معدّل، وأدخلني بيتاً فيها، فخماً مفروشاً فرشاً إفرنجياً ما أظنّ أني رأيت آنق منه ولا أحكم وضعاً ولا أحسن ترتيباً. ووجدت الرجل حليق الوجه غربي اللباس، يدخّن السيكار ويرطن بالفرنسية، ووجدته حلو الحديث سريع البادرة حاضر النكتة. وقضينا معه ساعة استمتعنا فيها حقاً.

فلما خرجنا قلت لصاحبي: أين جنونه؟

قال: ستراه بعد شهرين.

وعاد بعد شهرين وقد نسيت القصة كلها فقال لي: هلمّ لزيارة المجنون.

ومشى بي في غير الطريق الذي سرنا فيه أول مرة. وما زال ينتقل بي من الترام إلى السيارة، ويسلك بي من حارة إلى


(١) يوسف السباعي وإحسان عبد القدوس (مجاهد).

<<  <   >  >>