ونتسلق وندور حتى حاذينا بلودان، درة المصايف الشامية، وبدا لنا فندقها الفخم الذي بنته الحكومة ليملأ الخزانةَ مالاً والجيوبَ ذهباً، فملأ النفوسَ فساداً والأخلاقَ انحطاطاً، لما أنشؤوا فيه من بلايا وطامات زعموها حضارة ورقياً!
ثم عدنا نهبط، وهذه سنة الحياة:«ما طار طير وارتفع إلا كما طار وقع»، ولا علا رجل إلا هبط، إلا رجلاً علا بعلمه وبأخلاقه ومواهبه، فذاك الذي لا يهبط أبداً بل يزداد رفعة، لأن علمه لن يُنسى وأخلاقَه لن تذهب ومواهبَه لن تضيع، أما من علا على قوائم الكرسي وأعناق الشعب فأَحْرِ به أن يسقط مهما استمر علوُّه وطال بقاؤه.
أقول: إننا ما زلنا نهبط حتى انتهينا إلى سهل البقاع الخصب الأفيَح الجميل، الذي يفصل لبناننا «الشرقي» الأجرد المهيب الرهيب، الذي ادّرع المهابة واتّشح بوشاح الخلود، ولاحت عليه سمات الجلال والجد والوقار، ولبنانهم «الغربي» المرح الفرح الأخضر الجميل، الذي اتّزر بالسحر وارتدى رداء الشعر. وكلاهما أخّاذ فاتن، ولكن الأول جليل والثاني جميل، والجنات الخالدات والفراديس الباقيات في دمشق، على سفح لبنان الشرقي ... قال شوقي:
نُبِّئْتُ لبنانُ جنّاتُ الخلود وما ... نُبّئتُ أنّ طريقَ الخُلدِ لبنانُ
وأنت حين يحتويك لبنان الغربي تحسّ بجماله وروعته، ولكنك تشعر أنك أنت له وأنك جزء منه، ولكنك تحس حين تكون في لبناننا أنه هو لك وأنه جزء منك، وشتان بين ما تكون