أما أنا فلقد فكرت فرأيت أن الذنب ذنبنا، ما هو بذنب الفرنسيين، وأنك إن عانقت الحية فلدغتك فما تُلام الحية بل تكون أنت الملوم. إن الفرنسيين قد جرَوا على سنتهم واستجابوا لطبيعتهم، ففاض إناؤهم بالذي فيه، وما فيه إلا الطيش والخرق والغرور والتبجح، وعشرٌ أُخَر من هذه الصفات، ولقد بلوناهم ربعَ قرن فما رأينا من حضارتهم إلا العدوان على الأطفال والنساء والعجائز الكبار، ولقد طالما تبدّلت علينا الوجوه ولكن السنّةَ السنّةُ والطبعَ الطبعُ؛ كلٌّ في الحماقة سواء!
ولكنا -مع ذلك- واليناهم وقد نهانا الله عن موالاتهم، وقلّدناهم وقد منعَنا دينُنا من تقليدهم، وتركنا بياننا لرطانتهم، وفضائلنا لأزيائهم، وشريعتنا لقوانينهم، ومساجدنا لملاهيهم، والقادسيةَ لأوسترلتز، وعمرَ لنابليون، ومكةَ لباريس!
نحن أعطيناهم هذا السلاح الذي قاتلونا به: جاؤونا بالخمور تهري أمعاءنا وتمزق أكبادنا، فشربناها ودفعنا الثمن. وجاؤوا بالكتالوجات فيها الأزياء العارية التي تُذهب فضيلتنا وتُفسد شبابنا وبناتنا، فعملنا بها وتركنا لها قرآننا ودفعنا الثمن. وجاؤونا بالأرتستات يخربن بيوتنا ويمرضن جسومنا ويسممن أرواحنا، فهبطنا على أقدامهن ودفعنا الثمن. وجاؤونا بكل بلية فيها الأذى وفيها الهلاك، فدفعنا الثمن، فأخذوه فجعلوا منه دبابات وطيارات ثم أتوا فقالوا: هذا لجيشكم السوري (١)، أليس جيشكم؟ قلنا: بلى، وهل في ذلك شك؟ قالوا: هاتوا ثمنه. فدفعناه مرة ثانية، فقاتلونا بسلاح شريناه نحن ودفعنا ثمنه مرتين!