وفلسفة الرزق أدقّ من أن تُدرَك وأبعد من أن تنال. وانظر إلى الناس ترَ منهم الغوّاصين الذين جعل الله خبزهم وخبز عيالهم في قرارات البحار فلا يصلون إليه حتى ينزلوا إلى أعماق الماء، والطيارين الذين وضع خبزهم فوق السحاب فلا يبلغونه حتى يصعدوا إلى أعالي الفضاء، ومَن كان خبزه مخبوءاً في الصخر الأصمّ فلا يناله إلاّ بتكسير الصخر، ومَن رزقه في مجاري المياه الوسخة أو المناجم العميقة التي لا ترى وجه الشمس ولا بياض النهار، ومَن يأخذه بيده أو برجله أو بلسانه أو بعقله، ومَن لا يصل إلى الخبز إلاّ ببذل روحه وتعريض مهجته للهلاك، كلاعب (السِّرْك) الذي يترصّده الموت في كل مكان، فإن لم يدركه ساقطاً على رأسه أدركه وهو بين أنياب الأسد أو تحت أرجل الفيل!
فاحمد الله أن جعل رزقك على مكتبك، تصل إليه وأنت قاعد على كرسيّك، لم يجعله في رؤوس الجبال، ولا في أعماق البحار، ولا في مواجهة الأسد والنمر.
وهذه المزايا التي تقول إن الله أعطاكها: مَزيّة الفهم والجِدّ والدأب والاستقامة والأمانة، أليست نِعَماً تستحق أن تحمد الله عليها؟ أوَترضى أن تزداد مالاً وأن تكون عيياً غبياً، أو جاهلاً أو خاملاً، أو لصاً أو مجرماً؟ فلا تأسف إذا أُعطيت هذه النعم كلها وحُرمت المال الوفير، بل ائسَفْ إن حُرِمتَها وأُعطيتَ أموال قارون.
وهل السعادة -يا أخي- بالمال؟ ما المال إن لم تُشرَ به