للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وكلما وقف عند جملة ابتسم ابتسامة تقطع الرزق وتأمّل نفسه معجباً كعجوز متصابية أمام مرآتها تقول: ما أجملني! فإذا أخونا المحترم يريد أن يؤلف فرقة مسرحية، ولم يَرَ في الأدباء من هو أحقّ مني بشرف تأليف الرواية الأولى لها.

قلت: وكم مدة التمثيل؟

قال: نصف ساعة فقط.

قلت: تدفعون مئتي ليرة؟

ولا أطيل على القراء وصف ما كان، ويستطيعون أن يتصوروا النتيجة بسهولة، إلاّ أن ما لا يستطيعون تصوره هو أن الأخ قال لي وهو خارج: بَسْ آسف. إنّا لم نكلفك شيئاً، إنها لا تكلفك إلاّ ساعة من وقتك.

* * *

لا تكلفني شيئاً إلا ساعة من وقتي! هذا هو الموضوع الذي كنت أفتّش عليه، لقد وجدته. الموضوع هو سرقة الوقت، والوقت هو العمر، وهو أعزّ شيء على الإنسان. ولولا الوقت ما كسب مال، ولا حصل علم، ولا نال أحد دنيا ولا ضمن أخرى، فهل في السرقات أفظع وأعظم من سرقة أوقات الناس؟ ومن منا لا يشكو منها ولا يتألم؟ ثم لا يستطيع أن يدفع ذلك، ولا يستطيع أن يشكو أمره إلى القاضي، لأن القانون جعل سرقة خمس ليرات جريمة يعاقَب فاعلها وترك من يسرق الوقت الذي يساوي ألف ليرة لا يعاقبه ولا يعاتبه.

<<  <   >  >>