وجئت في الموعد، فوجدت المحكمة مغلقة، وقد نسيت أن أحمل المفتاح فوقفت على الباب والناس ينظرون إليّ، فمن عرفني أقبل يسألني فأضطر لأن أشرح له القصة، ومن كان لا يعرفني حسبني أحد أرباب الدعاوى فقال:"ما فيها أحد، سكّرت المحكمة"، فلا أرد عليه، وأنا واقف أتململ من الضجر، أرفع رجلاً وأضع أخرى، وأُقبل مرة وأُدبر مرة، أنظر من هنا ومن هناك، فكلما رأيت من بعيد شيئاً كبيراً أحسبه صاحبي، فإذا اقترب رأيت جملاً عليه حطب أو حماراً فوقه تبن، أو تاجراً من تجار الحرب الذين انتفخوا من كثرة ما أكلوا من أموال الناس ... حتى مضت نصف ساعة، وأحسست النار تمشي في عروقي غضباً منه ومن نفسي أن لنت له ولطفت به. وذهبت إلى الدار وأنا مصدوع الرأس مهيج الأعصاب، فألقيت بنفسي على الفراش. فلم أكد أستقر لحظة حتى سمعت رجة ظننت معها أن قد زلزلت الأرض بنا أو تفجرت من حولنا قنبلة، وإذا أنا بصاحبي الضخم، قد فتحت له الخادم فراعها أن رأت فيه فيلاً يمشي على رجلين، فأدخلته عليّ بلا استئذان وولّت هاربة تحدّث مَن في الدار حديث هذه الهولة المرعبة.
ونفخ الرجل من التعب كأنه قاطرة قديمة من قاطرات القرن التاسع عشر التي لا تزال تمشي بين دمشق وبيروت، وألقى بنفسه على طرف السرير، فطقطق من تحته الحديد وانحنى.
وأخرج منديلاً كأنه ملحفة، ومسح به هذه الكرة المركَّبة بين كتفيه وقال: هيك يا سيدنا؟ ما بتنتظر شوية؟ شو صار؟ حَمَّل الحج؟ سارت الباخرة؟ الإنسان مسيَّر لا مخيَّر، والغائب عذره