هجاه الحُطيئة أو جرير أو دعبل الخزاعي، بل إنهم ليفخرون بهذه البراعة في إخلاف المواعيد والتلاعب بالناس، ويعدونها مهارة وحذقاً!
فمتى يجيء اليوم الذي نتكلم فيه كلام الشرف، ونعد وعد الصدق، وتقوم حياتنا فيه على التواصي بالحق؟ لا يعد فيه المرشح وعداً إلا وفى به بعد أن يبلغ مقاعد البرلمان، ولا يقول الموظف لصاحب الحاجة:"إني سأقضيها لك" إلا إذا كان عازماً على قضائها، ولا الصانع بإنجاز العمل إلا إذا كان قادراً على إنجازه، والموظفون يأتون من أول وقت الدوام ويذهبون من آخره، والأطباء لا يفارقون المكان ساعات العيادة، والخياط لا يتعهد بخياطة عشرة أثواب إن كان لا يستطيع أن يخيط إلا تسعاً، وتمحى من قاموسنا هذه الأكاذيب. تقول لأجير الحلاق:"أين معلمك؟ "، فيقول:"إنه هنا، سيحضر بعد دقيقة". ويكون نائماً في الدار لا يحضر إلا بعد ساعتين. ويقول لك الموظف:"من فضلك لحظة واحدة"، فتصير لحظته ساعة!
ومتى تقوم حياتنا على ضبط المواعيد وتحديدها تحديداً صادقاً دقيقاً، فلا يتأخر موعد افتتاح المدارس من يوم إلى يوم ويتكرر ذلك كل سنة، ولا يُرجَأ موعد اجتماع الدول العربية في الجامعة من شهر إلى شهر، ولا تعاد في تاريخنا مأساة فلسطين التي لم يكن سببها إلا إهمال ضبط المواعيد وإخلافها؟ ولو أنّا حددنا بالضبط موعد القتال وموعد الهدنة، وجئنا (أعني الدول العربية) على موعد واتفاق، لكان لنا في تاريخ فلسطين صفحة غير التي سيقرؤها الناس غداً عنا.