ووضع المسلمون فيهم السيف واستمروا يقتلون ويأسرون وينهبون، وجاء ملك الفرنج إلى الناصر وماشاه وجعل يخاطبه في معنى ما وقع من الناصر فجرد سيفه وضرب عنق ملك الفرنج، وضج المسلمون بالتكبير والتهليل وكانت وقعة هائلة وما طلع النهار إلا وقد قويت شوكة المسلمين وانصرفت هممهم إلى تتبع آثار النصارى في كل فج عميق.
يالها واللَّه من هجمة أتم اللَّه بها النعمة على الأمة وناداهم منها الإحسان لا يكن أمركم عليكم غمة واعتنى الناصر حينئذ بإقامة الشعائر التي كان عمه السلطان صلاح الدين -رحمه اللَّه- أقام بها، وأمر بكتابة البشائر للممالك بهذا الفتح المبين والنصر العزيز فكتب وعادت الأجوبة عنها، وفي جملتها قصيدة لابن نباتة المصري يمدح فيها الناصر وهي قصيدة طويلة مشتملة على أبيات كثيرة منها:
المسجد الأقصى له عادة ... سارت فصارت مثلًا سائرا
إذا عاد بالكفر مستوطنًا ... أن يبعث اللَّه له ناصرا
فناصر طهره أولا ... وناصر طهره آخرا
ثم رجع الناصر بعد لقام هذا الفتح المبين إلى الكرك وقد سطرت هذه المثوبة في صحائف حسناته وتواردت الألسن بالدعاء له وشكر مساعيه المثوبة المحمودة الأثر المقترنة بالنصر والتأييد والظفر على واحد وهذا بيت المقدس مقصود بالزيارة والتعظيم على مر السنين.