يدور بالملك وعيَّن معه من خواصه ويزورهم الأماكن الفاضلة والمعاهد المعظمة والمشاهد المحترمة، وجعل يوجه الخطاب إلى الملك بما يرغبه في الإقامة بالقدس "الشريف" واستيطانه وعدم الخروج عنه، ودخل المسجد الأقصى وصعد المنبر ومنع القاضى المذكور المؤذنين من الجهر بالأذان والتسبيح في أوقات السحر في تلك الليلة.
ولما أصبح الملك وحضر إليه القاضى فسأله عن المؤذنين وذكر أنه لم يسمع في هذه الليلة في منارات هذا المعبد أذان ولا تسبيح فقال له القاضي: أنا منعهتم من ذلك إجلالًا للملك فكان من جوابه: لا جزاك اللَّه خيرًا ولما صرف الملك الناصر داود
صاحب الكرك نفسه عن الشواغل العارضة من جهة المماليك وتضييع الزمان في الاشتغال لما هناك اقتضى رأيه السعيد المبادرة إلى استنقاذ بيت المقدس من أيدي النصارى الطائفة الفاجرة رجاء ثواب الدنيا والآخرة، جمع جمعًا عظيمًا وأعده للهجمة على الفرنج في عقر الدار على حين غفلة منهم وقسم جمعه الذي جمعه وجعله فرقة.
وعقد لكل فرقة راية، وأعد لكل طائفة جانبًا في جوانب البلد يتداعون منه عند اللهجة برفع الأصوات بالتكبير، وانتصر الناصر على الكفرة والمشركين أعداء الدين يوم "عيدهم الأكبر" الذي يجتمعون فيه على الكفر وشرب الخمر ورفع الصليب على عاداتهم في أيام أعيادهم.
ووصل الناصر من معه ليلة العيد ورتب كل فرقة في مكانها الذي أعده لها.
هذا والنصارى في غيهم ولهوهم ولعبهم وكفرهم وشركهم وسكرهم ثم إن المسلمين أشعلوا النيران ورفعوا الأعلام والرايات فكبروا وهجموا قبيل الصبح على النصارى في مواطن كفرهم وشركهم فدهشوا وحاروا حين سمعوا التكبير من كل جانب من جوانب البلد،