انطلقت كتائب التوحيد الإسلامية لتقتحم صفوف الأعداء وتزلزل حصونهم، وفي معمعة المعركة سمع المسلمون أبا سفيان رضي اللَّه عنه وأرضاه ينادي بصوت هز أرجاء وادي اليرموك وكأن هذا الشيخ الأعمى يرى ببصيرته شيئًا لا يراه المبصرون بأعينهم وهو يردد بصوت ملؤه الإيمان باللَّه:
يا نصر اللَّه اقترب، يا نصر اللَّه اقترب، يا نصر اللَّه اقترب
وفعلًا جاء نصر اللَّه. . . . فقد استطاع رجل من المسلمين اقتحام قلب الجيش الروماني الضخم، وبضربة سيف واحدة من يمينه قطع رأس (باهان) وزير حربية الإمبراطورية الرومانية، ثم نادى بصوت عالي: اللَّه أكبر، فتعالت صيحات المسلمين بالتكبير، فألقى اللَّه الرعب في قلوب الرومان وصيحات اللَّه أكبر تطاردهم، فرجعوا القهقرة أمام تقدم كتائب التوحيد الإسلامية، فألقوا بأنفسهم من وادٍ سحيق يسمى بـ (الواقوصة)، فقتل في يومٍ واحد ١٢٠ ألف رومي، وانتصر المسلمون في معركة اليرموك الخالدة على قوات بيزنطة المتحالفة التي قدمت من مختلف أصقاع تلك الإمبراطورية الكبيرة، وبانتصار المسلمين في اليرموك انهارت القوة الرومانية فعليًا، وأصبحت الشام دارًا للإسلام، وتحققت نبوؤة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فبكى أبو سفيان بن حرب رضي اللَّه عنه وأرضاه بنصر اللَّه، واختلطت دموع عينيه بدمائها، فجزاك اللَّه خيرًا يا أبا سفيان لما قدمته للإسلام والمسلمين يا صاحب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-.
ولعل من حكمة اللَّه سبحانه وتعالى أن إسلام أبي سفيان جاء متأخرًا، وذلك لكي يتسنى له نقل حكاية عجيبة حدثت أيام جاهليته عند إمبراطور الروم (هرقل). فما هي تلك القصة العجيبة التي رواها البخاري في صحيحة عن أبي سفيان بن حرب رضي اللَّه عنه وأرضاه؟ وكيف كان إمبراطور الروم قاب قوسين من أن يسلم؟ وما الذي منعه؟ ومن هو ذلك البطل الإسلامي العظيم الذي استشهد قبل أن يصلي للَّه ركعة؟