" ليس بيننا وبينك يا ألفونسو إلا السيوف، تشهد بحدها رقاب قومك"
(المتوكل بن الأفطس)
لو لم أكن أعرف نسبي جيدًا حتى أصل به إلى (سبأ بن يشجب بن يعرب ابن قحطان)، لشككت حينها أنني امرءٌ من البربر! فلقد ذكرت أبطال البربر كثيرًا لدرجة بتّ أخشى فيها أن يتَّهمني البعض بمحاباتي للبربر على حساب غيرهم في هذا الكتاب! والحقيقة أنني نفسي متفاجئ من تاريخ قبائل الأمازيغ الذي لا نعرف عنه شيئًا، فلقد قدّم أولئك القوم الكثير لأمة محمد -صلى اللَّه عليه وسلم-، ولو لم يكن فيهم إلّا رجلًا واحدًا هو الشيخ (عبد اللَّه بن ياسين) أو الشيخ (أبو بكر بن عمر اللنتوني) لكفاهم، إلا أنني لا أستطيع أن اغفل ذكر بطلٍ إسلامي عظيم ظهر في زمن ضعف وهوان، فأن تكون عظيمًا في زمن العظماء فهذا شيءٌ عادي، أما أن تكون عظيمًا في زمن ندرت فيه العظمة، فأنت وقتها عظيم بالفعل!
وعظيمنا هو البطل الإسلامي البربري (المتوكل بن الأفطس)، وهو ملك ظهر في زمن ملوك الطوائف، وهي فترة من فترات الضعف والتفرق في الأندلس استمرت من سنة ٤٢٢ هـ إلى سنة ٤٧٩ هـ، أي أنها فترة استمرت ٥٧ سنة من حكم المسلمين الذي امتد لأكثر من ٨٠٠ سنة في الأندلس! ومع ذلك لا يذكر إعلامنا الأندلس إلا وسلط الأضواء على عهد ملوك الطوائف، وكأن تاريخ الأندلس كان كله تاريخ ملوك الطوائف! وليس عندي أدنى شك أن ذلك تطبيق عملي لـ "نظرية الغزو التاريخي" التي سبق وأن تطرقنا إليها مرارًا في هذا الكتاب، فمن أهم بنود هذه النظرية بندٌ يقوم فيه الغزاة بتسليط الضوء على مراحل الضعف التي مرت بها الأمة، وذلك لكي يشعر شباب الإسلام بأن تاريخهم أسود بالمجمل، فينغرس في عقلهم الباطن بأن أمتنا ما هي إلى نبتة برية سُقيت بأوساخ التاريخ، فينعدم كيان شبابنا، وتسود فيهم روح الانكسار، ولا يبقى لهم في النهاية