إلا في حالة أمة الإسلام فقط، فلقد رفض الشيخ أبو بكر تسلم مقاليد الإمبراطورية! وفضَّل على ذلك أن يترك الحكم لابن عمه، ليستمرَّ هو في الدعوة إلى اللَّه، ليس ذلك فحسب. . . . بل ذهب الشيخ أبو بكر إلى زوجته وأخبرها أنه وهب نفسه للَّه سبحانه وتعالى، وأنه عازمٌ على الشهادة في سبيل اللَّه، وأخبرها بأنه قد نوى على تطليقها لكي لا يظلمها معه في رحلته الدعوية الطويلة، بعد ذلك ودع الشيخ أبو بكر ابن عمه الذي أجهش بالبكاء في وداعه، وتعانق البطلان عناقًا أخيرًا، لينتقل بطلنا مرة أخرى إلى عمق القارة السمراء، يدعو الناس إلى عبادة اللَّه الواحد، ويجاهد في سبيله ملوك الكفر والظلم، حتى جاء ذلك اليوم الذي كان فيه الشيخ أبو بكر بن عمر اللنتوني في رحلةٍ دعوية جديدة في إحدى غابات أفريقيا الاستوائية، هناك انطلق سهم غادرٌ من قوس أحد الملوك الوثنيين، ليستقر في قلب هذا البطل الإنساني العظيم، ليسقط فاتح أفريقيا شهيدًا بإذن اللَّه، وليسجل التاريخ الإسلامي اسم القائد الشيخ المجاهد البطل أبو بكر بن عمر اللنتوني بحروف من نور في قائمة العظماء، فلا يصلي شيخ في "أبيدجان"، ولا يُرفع الأذان في "دكار"، ولا يسجد طفل في "وجادوجو"، ولا يزكي مسلم في "أكرا"، إلا وكان للشيخ المجاهد البطل أبو بكر بن العمر اللنتوني مثل أجرهم. . . . لا ينقص من أجرهم شيء.
وقبل أن نعرف بقية قصة المرابطين، ونعرف اسم ابن عم الشيخ أبي بكر اللنتوني، وما الذي فعله في الأندلس بعد ذلك، ينبغي علينا أولًا أن نسافر بجملٍ من جمال المرابطين الأبطال، لينقلنا من عاصمتهم "مراكش" إلى ميناء "طنجة" المغربي، لنستقل سفينة من هناك نعبر بها مضيق "جبل طارق"، لتنقلنا إلى الأندلس من جديد، لنرى معًا ما الذي كان يدور على أرضها في نفس ذلك الوقت الذي تأسست فيه دولة المرابطين في الغرب الأفريقي!
فما هي قصة ملوك الطوائف؟ ولماذا ركّز المستشرقون على تلك الفترة بالذات من تاريخ الأندلس؟ ومن هو ذلك الرجل العظيم الذي استحق أن يضاف اسمه لقائمة المائة على الرغم من كونه ملكًا من ملوك الطوائف؟!