" أي بني، واللَّه ما أعلمه بقي أحدٌ على مثل ما كنا عليه آمرك أن تأتيه ولكن. . . . قد أظلك زمان نبي! "
(صاحب عمورية)
لن أبدأ سرد حكاية هذا البطل الإسلامي من ضِياع أرض فارس حيث وُلد، بل سأبدأ سرد حكايته من لحظة ميلاده الحقيقية، هناك في صحراء العرب، حيث الشمس المحرقة، ومن على قمة إحدى أشجار النخيل في يثرب، وبينما كان سلمان الفارسي يعمل عبدًا عند يهودي من يهود تلك المدينة الواقعة في أراضي الحجاز، سمع بطلنا رجلًا يتحدث مع سيده عن مهاجرٍ غريب قدم للتو من بلدة يقال لها مكة يقول أنه رسول من عند اللَّه، عندها سرت في جسم سلمان رعشة قوية هزت كل خليةٍ من خلايا جسمه، لم يستطع معها أن ينتظر حتى ينتهي من عمله ليتأكد من صحة الخبر، فأسرع ينزل من أعلى النخلة بلهفةٍ كاد يسقط من خلالها على من تحته، وما أن لامست قدماه الثرى حتى بادر بالسؤال عن ذلك الرجل الغريب، ليتفاجأ بلكمة شديدة تسقط عليه من سيده وهو يقول له: مالك ولهذا؟! أقبل على عملك! عندها استدار سلمان نحو سيده وقال له وعيناه تلمعان فرحًا: لا شيء. . . . إنما سمعت خبرا فأحببت أن أعلمه!
وقبل أن نكمل بقية هذه الحكاية الممتعة ونعرف ماذا فعل سلمان بعد ذلك، أستأذن القارئ الكريم لكي نسافر معًا إلى الوراء عبر الزمن، لنغوص أكثر في بحار التاريخ، نلتقط جواهرها المتلألئة، فقد ذكرت في بداية هذا الكتاب ثلاث خصائصٍ تميز بها جيل الصحابة عن باقي البشر، كان أولها هو "الاختيار الإلهي" لجيل الصحابة فردًا فردًا، ولعل قصة سلمان الفارسي خير مثالٍ على هذه الميزة، فقبل عشرين سنة من إسلام سلمان، خرج هذا الشاب الذي عاش حياته يبحث عن سر السعادة البشرية من قريته