ديننا، وقالت شيوخنا: إنهم ما رأوا أعلى من درجته في العلم والدين في ديننا. فقال لهم: وما تقولون فيه إذا أسلم؟! قالوا: نعوذ باللَّه من ذلك! ما يفعل ذلك أبدًا. فلما سمع ما عند النصارى بعث إلي فحضرت بين يديه وشهدت شهادة الحق بمحضر النصارى، فصلبوا على وجوههم، وقالوا: ما حمله على هذا إلا حب التزويج؛ فإن القسيس عندنا لا يتزوج. وخرجوا مكروبين محزونين. فرتب لي السلطان -رحمه اللَّه- ربع دينار في كل يوم في دار مختص، وزوجني ابنة الحاج (محمد الصفار)، فلما عزمت على البناء بها أعطاني مائة دينار ذهبًا، وكسوة جيدة كاملة، فبنيت بها وولد لي منها ولد سميته (محمدًا) على وجه التبرك باسم نبينا -صلى اللَّه عليه وسلم-".
وبعد ذلك تعلم بطلنا لغة محمد -صلى اللَّه عليه وسلم-، ليؤلف بالعربية هذا الكتاب العظيم الذي يعد الأول من نوعه في إثبات نبوة رسول اللَّه من الكتاب المقدس نفسه، ثم إثبات تحريف الإنجيل من خلال الأدلة والبراهين، ليظل هذا الكتاب التحفة "تحفة الأريب في الرد على أهل الصليب" المرجع الأول والأساسي لكل طلبة مقارنة الأديان عبر جميع العصور، فجزاك اللَّه كل خير يا أبا محمد عبد اللَّه بن عبد اللَّه المايوركي، لما قدمته للإسلام، فلقد فهمت كلمة السر التي لم يفهمها هرقل من قبلك: "أسلم تسلم"!
الغريب في الأمر أن قصة عبد اللَّه الترجمان تشبه إلى حدٍ بعيد قصة عظيمٍ آخر من عظماء أمة الإسلام، فمن جزيرة مايوركا الإسبانية إلى مدينة أصفهان الإيرانية، ينتقل بنا قطار العظماء المائة، لكي نسافر عبر الزمان والمكان، لنرافق رجلًا عظيمًا من الفرس، هو بحق أعظم من أنجبت أمة فارس عبر تاريخها القديم والحديث، إننا لا نتحدث عن كسرى من الأكاسر، ولا فيلسوفًا من فلاسفة الفرس، إننا نتحدث عن رجل فارسي كان صاحبًا للرسول العربي!