فحضر مركب يسافر إلى تونس، فسافرت فيه من صقلية، وأقلعنا عنها قرب مغيب الشفق، فوردنا مرسى تونس قرب الزوال، فلما نزلت بجوار تونس، وسمع بي الذين بها من أحبار النصارى في تونس -يعني: سمعوا بمقدمه، وأنه حاضر عندهم، وقد كان هو أكبر علماء النصارى في ذلك الوقت- أتوا بمركب وحملوني عليه معهم إلى ديارهم، وصحبت بعض التجار الساكنين -أيضًا- بتونس، فأقمت عندهم في ضيافتهم على أرغد عيش مدة أربعة أشهر. ثم بعد ذلك سألتهم: هل بدار السلطان أحد يحفظ لسان النصارى؟ وكان السلطان آنذاك مولانا (أبو العباس أحمد) رحمه اللَّه، فذكر لي النصارى أن بدار السلطان المذكور رجلًا فاضلًا من أكبر خدامه اسمه (يوسف)، وكان طبيبه ومن خواصه، ففرحت بذلك فرحًا شديدًا، وسألت عن مسكن هذا الرجل الطبيب، فدخلت عليه واجتمعت به، وذكرت له شرح حالي وسبب قدومي للدخول في الإسلام، فسر الرجل بذلك سرورًا عظيمًا بأن يكون تمام هذا الخير على يديه. ثم ركب فرسه وحملني معه إلى دار السلطان، ودخل عليه فأخبره بحديثي واستأذنه لي، فأذن له، فمثلت بين يديه، فأول ما سألني السلطان عن عمري، فقلت له: خمسة وثلاثون عامًا. ثم سألني عما قرأت من العلوم فأخبرته، فقال لي: قدمت قدوم خير، فأسلم على بركة اللَّه. فقلت للترجمان -وهو الطبيب المذكور-: قل لمولانا السلطان: إنه لا يخرج أحد من دينه إلا ويكثر أهله الطعن فيه (يعني: أهل الدين الذي كان عليه سيطعنون فيه ويشنعون عليه انتقامًا منه) فأرغب من إحسانكم أن تبعثوا إلى الذين بحضرتكم من تجار النصارى وأحبارهم وتسألوهم عني، وتسمعوا ما يقولون في جنابي، وحينئذ أسلم إن شاء اللَّه تعالى. فقال لي بواسطة الترجمان: أنت طلبت ما طلب عبد اللَّه بن سلام من النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- حين أسلم (كان الصحابي الجليل عبد اللَّه بن سلام سيد اليهود وزعيمهم، فلما علم بقدوم رسول اللَّه أسلم وجهه للَّه، إلا أنه طلب من الرسول سؤال اليهود عنه، فقالوا له إنه سيدنا، فلما علموا بإسلامه قالوا إنه شرّنا وسفيهنا!).
يضيف عبد اللَّه الترجمان: "فأرسل السلطان إلى أحبار النصارى وبعض تجارهم، وأدخلني في بيت قريب من مجلسه، فلما دخل النصارى عليه، قال لهم: ما تقولون في هذا القسيس الجديد الذي قدم في هذا المركب؟ قالوا له: يا مولانا! هذا عالم كبير في