" كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء إلا آسية امرأة فرعون ومريم بنت عمران وإن فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام"
(رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-)
واللَّه إن القلب ليرتجف وأنا أهم بالكتابة عن هذه الملكة العظيمة، فنحن الآن على موعدٍ مع الصديقة الولية، والراضية المرضية، والمؤمنة التقية، الراسخة الثابتة الأبية، الزاهدة الصفية، الشهيدة الهنية، نحن الآن على موعدٍ مع البطلة التي انتصرت بإيمانها على أقوى جبّارٍ عرفته الأرض في التاريخ من لدن آدم إلى أن يرث اللَّه الأرض ومن عليها، نحن الآن على موعد مع أقوى إنسانة خلقها اللَّه في الدنيا، نحن الآن على موعد مع إنسانة عجزت كلمات الشعراء على تخليد سيرتها، فخلدها رب الشعراء في كتابه بكلماته، نحن الآن على موعد مع زينة الملكات، وسيدة السيدات، ورمز الأبيات، نحن الآن مع موعدٍ مع الأم الرحيمة والبطلة العظيمة آسية بنت مزاحم امرأة عدو اللَّه فرعون!
وآسية رحمها اللَّه لم تكن مجرد زوجة عادية لرجلٍ عادي، بل كانت ملكة متوجة لديها من الذهب والمجوهرات ما لا يحصى ولا يعد، نحن نتحدث عن ملكة من ملكات مصر القديمة التي كانت جنة اللَّه في أرضه، آسية بنت مزاحم رحمها اللَّه تركت كل ذلك في سبيل اللَّه، والحقيقة أن سر اختياري لهذه السيدة الطاهرة لأطلق عليها لقب أقوى إنسانة في التاريخ لا ينبع من كونها انتصرت على فرعون الجبّار فحسب، بل إنني أعتقد أن سر عظمة وقوة آسية ينبع من من انتصارها على نفسها! فلقد تركت هذه البطلة الذهب والمجوهرات وقصور فرعون، مضحية بذلك بأعظم كنوز الحضارة الفرعونية في سبيل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ، لتنتصر هذه البطلة العملاقة على نفسها، ثم تنتصر بعد ذلك على فرعون! لقد انتصرت على الرجل الذي قال للناس أنا ربكم الأعلى! فباعت آسية بذلك دنياها من أجل آخرتها، تركت قصرها، أو لنقل قصورها، من أجل أن تسكن في بيتٍ بجوار اللَّه،