" واللَّه لئن لم ترجع لأروحنّ لك بمروحة من المرابطين"
(المعتمد بن عبّاد)
كنت أتمشى في شوارع مدينة "إشبيلية" الساحرة في ليلةٍ من ليالي صيف عام ٢٠٠٩ م، وقتها كنت أستحضر في مخيلتي حصار (ألفونسو السادس) لهذه المدينة الحصينة، والحقيقة أنني كنت فيما سبق أتساءل كيف وصل المسلمون في عهد ملوك الطوائف إلى تلك الحالة المزرية التي وصلوا إليها، وأستهجن ما كان يفعله أمراء الطوائف، ولكنني حينما رأيت أشجار البرتقال الممتدة على شوارع إشبيلية، ورأيت بعدها حدائق قرطبة الغّناء، ومشيت في طرقات غرناطة الموصلة لقصر الحمراء، طرحت علي نفسي سؤالًا صريحًا: ماذا لو كنت أنا أميرًا على مدينة من مدن الأندلس في عهد ملوك الطوائف، هل كنت سأقبل التنازل عن كرسي الحكم؟ ولو كنت مكان (المعتمد بن عبّاد) هل كنت سأجازف بقتال (ألفونسو السادس)؟ أم كنت سأدفع له الجزية مقابل أن أبقى بجانب (اعتماد الرميكية) وهي تنشد لي الألحان الشجية تحت أشجار البرتقال تلك؟!
الحقيقة أنني وإن كنت لا أجد عذرًا لتلك الحالة المهينة التي وصل إليها ملوك الطوائف، إلّا أنني أدركت بالفعل عظم تلك الفتنة التي تعرضوا لها في تلك البلاد الساحرة، ومما زاد من إدراكي هذا هو ملاحظة مهمة لاحظتها خلال زيارتي لإسبانيا. . . فلقد رأيت هناك أن لكل مدينة حدودًا طبيعية تحيط بها من جميع الاتجاهات ما بين جبالٍ وأنهارٍ وبحار، مما يدفع كل مدينة أندلسية لتشكل دويلة مستقلة في حد ذاتها، ولا شك أن هذا يزيد من رغبة الفرد بالاستقلال، ولعل ما تشهده إسبانيا الآن من تفرق بين مدنها ما بين حكم ذاتي في "كاتالونيا" ومطالبةٍ بالاستقلال من إقليم "الباسك" لهو خير