" أدركنا يا لوذريق. . . . فإنه قد نزل علينا قومٌ لا ندري أهم من أهل الأرض أم من أهل السماء! "
(قائد القوات القوطية)
للَّه درُّ بلاد الجزائر كم أخرجت من عظيم لهذه الأمة، فعظيمنا الآن هو فاتح إسلامي خرج من صحراء هذه الأرض العظيمة التي دأبت على تخريج الأبطال وكأنها مدرسة للثوار، فبطلنا هو طارق بن زياد فاتح الأندلس العظيم. والحقيقة أن الحديث عن الأندلس لهو حديث طويل في سرده، غزير في أحداثه، شجيٌ في ذكرياته، يمتد إلى ما يزيد عن ٨٠٠ سنة في تاريخ أمة محمد -صلى اللَّه عليه وسلم-، أي أكثر من نصفها، لذلك سوف أتطرق إلى قصة الأندلس تباعًا في هذا الكتاب إن شاء اللَّه، لا من أجل البكاء على اللبن المسكوب، فليس ذلك أبدًا ما أرمي إليه، ولكنني أحسب أن تاريخ الأندلس كقصة صعودٍ وهبوطٍ متكررةٍ خلال ثمانية قرونٍ أو يزيد من حكم المسلمين يجسد خير مثالٍ يمكن أن يوضح لشباب هذه الأمة أسباب الصعود وأسباب الانحدار، فمن حكمة اللَّه سبحانه وتعالى أن جعل سنته في الأرض ثابتة لا تتغير، فإذا ما درسنا أسباب صعود المسلمين وانتصاراتهم في فترة من الفترات ثم عملنا بها، فإننا حتمًا سنصعد وننتصر، وإذا ما درسنا أسباب الهزيمة والانحدار تجنبناها. . . وهكذا. ثم إن قصة الحضارة الإسلامية في الأندلس لهي قصة فريدة من نوعها، لم تعرف البشرية مثلها من رقي وعلم وازدهار وتسامح بين الشعوب والأديان، حتى من وجهة النظر الغربية.
وقبل أن ندرس حكاية هذا البطل العظيم أو نحكي حكاية الأندلس هناك نقطة وجب طرحها: لماذا قطع العرب المسلمون آلاف الأميال من صحراء جزيرتهم للوصول إلى أرأضي شعوب أخرى كالبربر والفرس والروم؟ أليس ذلك نوعٌ من الاحتلال لأراضي الغير؟