الحقيقة أن هذا السؤال قد يثير الريبة لدى البعض، وقد يذهب البعض إلى مقارنة الفتوحات الإسلامية بالاستخراب الأوروبي في القرنين التاسع عشر والعشرين، والواقع أنه ليس هناك وجه للمقارنة في ذلك، فالمُطلِعُ على تاريخ الحروب منذ أيام الإسكندر المقدوني مرورًا بغزوات الرومان والمغول وحتى الحروب الحديثة من نابليون إلى هتلر يجد أن هدف الجيوش على مر التاريخ لا يخرج عن ثلاثة، فإما الامتداد الجغرافي والاقتصادي كحال الإمبراطورية الرومانية (إمبراطورية اكتسحت ثلاث قارات)، أو السيطرة والهيمنة الفكرية كحالة أمريكا مثلًا (نشر المثل الأمريكية في العالم)، أو حتى اللا هدف أو العبثية كحالة التتار المغول (لم يكن للتتار أي هدف في حروبهم!). أما في حالة المسلمين فقد كان الوضع مختلفا بالكلية، فكانت الحروب الإسلامية استثناء لهذه القاعدة الثلاثية الأبعاد، فقد كان للمسلمين هدفٌ واحدٌ فقط: تبليغ رسالة محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- لكل البشر في كل أصقاع الأرض. وهنا يعلق البعض: لماذا حارب المسلمون ودمرّوا الإمبراطوريات المختلفة ولم يكتفوا بالتبليغ فقط من دون حروب؟ والإجابة هي أن هذا بالفعل ما فعله المسلمون في البداية، فلقد أرسل المسلمون الرسل تلو الرسل إلى حكام الأرض فقتلوهم قبل أن تصل رسالة الإسلام إلى شعوبهم، فرسالة الإسلام بما تحمله من أفكار تساوي بين البشر تتعارض بالضرورة مع شريعة الملوك الطبقية التي تستعبد الشعوب وتضطهد الفقراء، فمن الطبيعي أن يمنع هؤلاء شعوبهم من أن يعرفوا شيئًا عن الإسلام بما يحمله من خطورة على عروشهم، فواللَّه ما أخرجنا الجيوش إلّا بعد قتل الرسل والدعاة، أما في حالة إتاحة الحرية للرسل والدعاة ليبلغوا دعوة محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- للإنسانية فإنه لم يُرفع سيف واحد هناك، ولعل أندونيسيا أكبر دولة إسلامية أكبر مثالٍ على ذلك. ولكن إن كان الهدف من الفتوحات هو نشر الإسلام فلماذا لا نجد وجودًا للمسلمين في الأندلس أي من سكان إسبانيا والبرتغال الآن؟ والإجابة على ذلك أن أغلبية المسلمين في الأندلس (إسبانيا والبرتغال) كانوا أصلًا من السكان الأصليين الذين اعتنقوا الإسلام وليس كما يظن البعض أنهم من المهاجرين العرب والبربر، ولكن هؤلاء المسلمين إمّ رُحِّلوا من ديارهم أو قتلوا في محاكم التفتيش (كما سنرى في طيات هذا العمل لاحقًا!). أما السر الخفي في فتح المسلمين للأندلس والذي قد يعجب منه