طلابه، وانتظره أهل المجلس وهم يتذاكرون مسائل من العلوم، إلى أن أفضى بهم الكلام إلى قول اللَّه عز وجل على لسان نبيه عيسى عليه السلام في الإنجيل: إنه يأتي من بعده نبي اسمه (الفارقليط). فناقشوا هذه المسألة فيما ناقشوه لما تخلف كبيرهم القسيس، فبحثوا في تعيين هذا النبي من هو من الأنبياء، وقال كل واحد منهم بحسب علمه وفهمه، فعظم بينهم في ذلك مقالهم، وكثر جدالهم، ثم انصرفوا من غير تحصيل فائدة ومن غير الاتفاق على معنى معين لهذه الكلمة، ثم رجعت إلى القسيس نيقلا والذي كان مريضًا فقال لي: ما الذي كان عندكم اليوم من البحث في غيبتي عنكم، فأخبرته باختلاف القوم في اسم (الفارقليط) وأن فلانًا قد أجاب بكذا، وأجاب فلان بكذا، وسردت له أجوبتهم، فقال لي: وبماذا أجبت أنت؟! فقلت: بجواب القاضي فلان في تفسيره للإنجيل. فقال: قصرت وقربت! وفلان أخطأ، وكاد فلان أن يقارب، ولكن الحق خلاف هذا كله؛ لأن تفسير هذا الاسم الشريف لا يعلمه إلا العلماء الراسخون في العلم، وأنتم لم يحصل لكم من العلم إلا القليل. فبادرت إلى قدميه أقبلهما، وقلت له: يا سيدي! قد علمت أني ارتحلت إليك من بلد بعيد، ولي في خدمتك عشر سنين، حصلت عنك فيها من العلوم جملة لا أحصيها، فلعل من جميل إحسانكم أن تمنو علي بمعرفة هذا الاسم، فبكى الشيخ وقال لي: يا ولدي! واللَّه لأنت تعز علي كثيرًا من أجل خدمتك لي وانقطاعك إلي، وفي معرفة هذا الاسم الشريف فائدة عظيمة، لكني أخاف أن يظهر ذلك عليك، فتقتلك عامة النصارى في الحين واللحظة، فقلت له: يا سيدي! واللَّه العظيم وحق الإنجيل ومن جاء به لا أتكلم بشيء مما تسره إلي إلا عن أمرك، فقال لي: يا ولدي! إني سألتك في أول قدومك علي عن بلدك، وهل هو قريب من المسلمين، وهل يغزونكم أو تغزونهم، لأختبر ما عندك من المنافرة للإسلام (يعني: حتى أكتشف حساسيتك وعداءك ولْفورك الشديد من دين الإسلام) فاعلم يا ولدي أن (الفارقليط) هو اسم من أسماء نبيهم محمد، وعليه نزل الكتاب الرابع المذكور على لسان دانيال عليه السلام، وأخبر أنه سينزل هذا الكتاب عليه، وأن دينه هو دين الحق، وملته هي الملة البيضاء المذكورة في الإنجيل، قلت له: يا سيدي! وما تقول في دين هؤلاء النصارى؟! فقال لي: يا ولدي! لو أن النصارى أقاموا على دين عيسى الأول لكانوا على دين اللَّه؛ لأن عيسى وجميع الأنبياء