المنية، فسأله سلمان عن وصيته فقال له: أي بني، واللَّه ما أعلم أحدًا بقي على أمرنا آمرك أن تأتيه إلا رجلًا بعمورية فإنه على مثل ما نحن عليه فاذهب إليه فإنه على مثل أمرنا. وبعد أن مات سيده، أعد سلمان راحلته وهم بمتابعة مغامرته في البحث عن السعادة، فلحق بصاحب عمورية، فقص عليه مغامرته في البحث عن سر السعادة الإنسانية، فقال له صاحب عمورية: أقم عندي، فأقام سلمان معه يتعلم منه، حتى أزفت ساعة به، فلما حضر قال له سلمان: يا فلان إني كنت مع فلان فأوصى بي فلان إلى فلان وأوصى بي فلان إلى فلان ثم أوصى بي فلان إليك فإلى من توصي بي وما تأمرني؟ فقال له صاحب عمورية: أي بني واللَّه ما أعلمه أصبح على ما كنا عليه أحد من الناس آمرك أن تأتيه ولكنه قد أظلك زمان نبي هو مبعوث بدين إبراهيم يخرج بأرض العرب مهاجرًا إلى أرض بين حرتين (مجموعتين من الجبال) بينهما نخل به علامات لا تخفى يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة بين كتفيه خاتم النبوة فإن استطعت أن تلحق بتلك البلاد فافعل. فمات صاحب عمورية الطيب، فمكث سلمان "بعمورية ما شاء اللَّه له أن يمكث، حتى مر به تجارٌ من قبيلة عربية، فعرض عليهم سلمان أن يأخذوا كل ما يملكه مقابل إيصاله إلى أرض العرب، فقبل التجار عرضه وهم يتساءلون كيف لرجلٍ أن يترك أرضًا جميلة مثل عمورية ليرحل إلى صحراء العرب القاحلة مُضحيًا بكل ما يملك من مال من أجل ذلك؟! فلمّا وصل سلمان إلى أرض العرب قام أولئك التجار الخونة ببيعه إلى رجل يهودي، فأصبح سلمان بذلك كالظمآن في الصحراء المقفرة، الذي يرى بعينيه واحة خضراء تطل عليه بمياهها الصافية، فلمّا اقترب منها فقد ساقيه، فلا هو بالذي هلك قبل أن يراها، ولا هو بالذي وصل إليها وارتوى بمياهها العذبة! وعندما علم اللَّه أن سلمان قد استنفذ كل ما في استطاعته، جاء وقت الأمر الإلهي البسيط: "كن"! فشاء اللَّه بحكمة لا يقدر عليها غيره أن يقوم سيد سلمان اليهودي ببيعه لابن عمٍ له، ليحمله سيده الجديد إلى مدينة جديدة، ما إن وصل سلمان إليها حتى عرفها، فقد كانت هذه المدينة مدينة بين حرتين بها نخل كثير، لقد كانت هذه المدينة هي "يثرب"، والتي سوف يكون اسمها بعد سنواتٍ معدودةٍ. . . . "المدينة المنورة"!
وهنا لنا وقفة تأمل صغيرة. . . . فلماذا لم يأتِ ذلك الأمر الإلهي "كن" منذ البداية؟