من دخول قبائل "صنهاجة" البربرية في الإسلام منذ فجر الفتوحات على يد الفاتح الإسلامي الأموي (عقبة بن نافع)، إلا أن الإسلام الصحيح ضاع بين البربر هناك مع مرور الزمن وبُعد المكان عن مهبط الوحي وانعزاله خلف كثبان الصحراء الكبرى، فتبرك المسلمون هناك بالقبور، ودعا الناس الأولياء الصالحين من دون اللَّه، وأدمنوا شرب الخمور، وانتشر الزنى بينهم بشكلٍ رهيب، حتى أن الرجل كان يجامع خليلة جاره من دون أن يعترض زوجها على ذلك! وامتنع الناس عن أكل لحم الخنزير، ولكنهم أكلوا لحم الخنزيرة!!! وكان لقبيلة "جُدالة" وهي فرعٌ من فروع "صِنهاجة" شيخ بفطرةٍ طيبة اسمه الشيخ (يحيى بن إبراهيم الجدالي)، فأراد هذا الشيخ أن يصلح من حال قبيلته، ولكنه لم يكن يعلم من أمور الدين الكثير، فذهب إلى الحج، وفي طريق عودته مرَّ على "القيروان" في تونس، وقصَّ على علمائها أمر قومه وما هم عليه من الضلال والبعد عن شرع اللَّه، فبعثوا معه رجلًا من البربر اسمه الشيخ (عبد اللَّه بن ياسين) لكي يُرجع أهل جدالة إلى التوحيد الذي جاء به محمد -صلى اللَّه عليه وسلم-، فأخذ الشيخ عبد اللَّه ابن ياسين يدعوهم إلى عبادة اللَّه وحده وترك الدعاء عند القبور، فطلب الناس منه أن يتركهم وشأنهم وأن يعود من حيث أتى، لكن الشيخ رفض ترك الدعوة، فحرق الناس بيته، وطردوه خارج القبيلة وهددوا الشيخ يحيى بن إبراهيم بنفس المصير إن هو ساعده، فأصبح الشيخ عبد اللَّه بن ياسين طريدًا في صحراء موريتنيا، وأصبح بين خيارين، إما العودة أو الاستمرار، فاختار الشيخ ابن ياسين خيار الأنبياء، وهو الطريق الأصعب بطبيعة الحال، ولو أنه اختار الطريق السهل، لمات مجهولًا في حدائق القيروان، ولما كُتبت هذه الحروف عنه بعد ما يقارب الألف عام من وفاته، فبدلًا من أن يتجه الشيخ عبد اللَّه ابن ياسين إلى الشمال حيث تلال تونس الخضراء، غوَّر جنوبًا في أدغال أفريقيا ليعبر نهر السنغال، وهناك في غابة من غاباتها، أقام خيمةً ورابط فيها، فكانت خيمة الرباط الأولى، ثم بعث رسالة إلى أهل جدالة يخبرهم فيها أنه من أراد تعلم دين اللَّه فليأته في رباطه في أرض السنغال، فخرج خمسة شباب من جدالة خفية واتجهوا نحو السنغال، ورابطوا مع الشيخ ابن ياسين في خيمته، فأخذ الشيخ يعلمهم معنى التوحيد، فاقتنع الشباب الخمسة بدعوة الشيخ، فذهبوا إلى جدالة وأحضروا عائلاتهم، وبنى كل منهم خيمة يرابط بها بعد