الفصيح عبد اللَّه بن عمر بقوله: هما يفوقانه بالفضل ولكنه أفضل منهما في الحكم! ولا عجب، فهذا سليل "بني أمية" أفضل عائلة ساسَت العرب قبل الإسلام وبعده، فهم أهل السياسة في في الجاهلية والإسلام، وهذا فضل اللَّه يؤتيه من يشاء، وقد كان خلفاء بني أمية أعظم من ملكوا الأرض من المسلمين، وحتى بعد انتهاء دولتهم، أقام بنو أمية على يد (عبد الرحمن الداخل)"صقر قريش" دولةً مهيبة للإسلام في أوروبا، وكان (عبد الرحمن الناصر) من بعده أعظم ملكٍ في تاريخ أوروبا في العصور الوسطى، والحق أقول أنني تعجبت من مما قرأته عن بني أمية وأنا أجمع مادة هذا الكتاب التاريخية من أمهات كتب التاريخ الإسلامي، فلقد شوه المستشرقون ومن معهم من المنافقين تاريخ هذه العائلة العظيمة التي قدَمت الكثير للإسلام، والحق أقول أنني تعجبت أكثر للمعلومات التي حصلت عليها البارحة فقط وأنا أهُمٌّ بالكتابة عن معاوية بن أبي سفيان رضي اللَّه عنهما وأرضاهما، فالرجل ليس مثلما صُوِّرَ لنا في مدارسنا بأنه ذلك الملك المتجبر المتغطرس المترف، بل كان رجلًا زاهدًا ومتواضعًا إلى حدٍ أذهلني بالفعل، والذين لا يعرفون سيرة معاوية يستغربون إذا سمعوا بأنه كان من الزاهدين والصفوة الصالحين، فقد روى الإمام أحمد بسنده إلى علي بن أبي حملة عن أبيه قال:"رأيت معاوية على المنبر بدمشق يخطب الناس وعليه ثوبٌ مرقوع! " وقد كان رحمه اللَّه يركب بغلته ويدور على أهل الشام بنفسه يذكرهم بالصلاة، والشيء الملفت في تاريخ معاوية أنه كان ملكًا عادلًا حليمًا إلى أبعد الحدود! وواللَّه إن المرء ليعجب وهو يقرأ سيرة هذا الخليفة الإسلامي المظلوم، ففي عزّ مجد الانتصارات الإسلامية التي جعلت من معاوية بن أبي سفيان رضي اللَّه عنهما وأرضاهما خليفة يملكها من الصين شرقًا إلى المحيط الأطلسي غربًا، ومن جبال القوقاز شمالًا إلى أدغال أفريقيا جنوبًا، وصلته رسالة شديدة اللهجة من (عبد اللَّه بن الزبير) -رضي اللَّه عنهما- فيها تجاوز كبير في حق أعظم ملكٍ على وجه الأرض وقتها، يهدد فيها الخليفة من أجل اختلاف بسيطٍ حول قطعة أرض صغيرة، فيقول في رسالته:
"أما بعد فيا معاوية (معاوية باسمه فقط، من دون لقب، لا أمير المؤمنين، ولا خليفة المسلمين، ولا شيء من هذا القبيل) أما بعد فيا معاوية، إن رجالك قد دخلوا أرضي فانهَهُم عن ذلك، وإلا كان لي معك شأن، والسلام" فدفع معاوية بكتابه إلى ابنه يزيد، فقال له: "يا