للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

نطق الشهادتين!

وبطلنا السلطان مراد الثاني لم يصنع من ولده طبيبًا لكي يُكتب اسم أبيه بجانب اسمه في العيادة، ولم يعلم ولده التجارة لكي يدير له المصنع بعد مماته، ولم يقضِ حياته يدرب ابنه على الخلطة السرية لأحد أطباق الطعام لكي يطمئن على مطعمه الشهير بعد مماته، بل قام السلطان العظيم مراد الثاني بصناعة رجل! فصناعة الرجال هي التي تخلد الإنسان! فكم سنا يعرف اسم جدِّه السادس؟ أو جدِّ جدِّه؟ أو حتى اسم جدِّ أبيه؟ فالذي يخلد سيرة الإنسان في الدنيا إنما هي أعماله، وإن لم تكن أعماله فهي أعمال أبنائه الذين كان هو من صنعهم! فمن كان يعتقد أن العظماء يُولدون عظماء فهو واهم غارقٌ في وهمه، فالعظمة ما هي إلا نتاج تربية الأهل ورعاية المجتمع وتحصيل الشخص نفسه وفوق ذلك كله توفيق اللَّه، والذي لا يعرفه الكثير عن محمَّد الفاتح الذي فتح الآفاق ونشر الإِسلام في ربوع الأرض وأجاد الشعر واللغات والأدب والهندسة، لم يكن في طفولته إلا طفلًا مهملًا يستحق أن يوضع في مدارس الأحداث لو كان في زماننا هذا، فهل تركه والده السلطان مراد على حالته تلك؟ وهل أخذ يلوم زوجته على سوء تربيتها لولده؟! لقد جلب السلطان مراد المعلمين من جميع أرجاء السلطنة لولده الصغير, ولكن الأمير المشاكس محمَّد الثاني استمر في استهتاره، وأخذ يهرب من الدروس لكي يلهو ويلعب، فذهب السلطان مراد الثاني إلى شيخٍ كبير اسمه الملا الكوراني (وهو لا يمت بأي صلة للكوراني، العالم الشيعي المعاصر صاحب نظرية تحريف القرآن!) وأعطى السلطان مراد الثاني الملا الكوراني قضيبًا ليضرب به ابنه إذا شاغب، وفعلًا نجحت التربية المرادية، فتربى محمَّد الثاني خير تربية على يد الشيخ الكوراني، فحفظ القرآن، ونظم الشعر، وأتقن اللغات، وتعلم فنون القيادة من أبيه الذي كان يأخذه معه إلى المعارك ليتدرب فيها إدارة الأزمات، وفي الوقت الذي لا يستأمن فيه معظم آبائنا أولادَهم حتى على أمور المنزل، نرى أن السلطان مراد الثاني استأمن ابنه محمَّد على الإمبراطورية بأسرها وهو صبي صغير، بل وتنازل السلطان مراد الثاني لولده عن السلطنة في حياته ليدربه على الحكم، وليتفرغ هو للعبادة، ليصنع منه ذلك الفارس البطل، ولتكون جميع فتوحات محمَّد الفاتح في ميزان أبيه البطل صانع الانتصار الحقيقي

<<  <   >  >>