أمّا عن سبب اختيار عمرو بن العاص رضي اللَّه عنه وأرضاه بالذات لتكال له كل تلك التهم والشبهات، فيكمن في كون عمرو بن العاص هو الفاتح الفعلي للقدس أهم مدينة عند غزاة التاريخ، قبل أن يضيف إليها أرض مصر، هذا البلد المهم الذي يُكوِّن مع أرض الشام المباركة الدعامتين الأساسيتين للإسلام عبر التاريخ كما قال شيخ الإسلام ابن تيميَّة، هذه الأسباب تبين بشكل لا يدعو للشك هوية المشوهين لتاريخ هذا الرجل، إنهم الصليبيون، وإن كانت الأدوات في الغالب هي بعض المثقفين العرب مدفوعي الأجر، وطبعًا لا ننسى الأداة الرخيصة التي سنراها تتكرر في هذا الكتاب بشكل غريب وعجيب في كل الخيانات القذرة التي تعرضت لها أمة الإسلام من الأندلس إلى الهند. . . الشيعة الروافض!
ولعل رواية التحكيم الشهيرة التي تتكرر في مناهجنا المهترئة، هي من أهم أسباب طعني القديم في هذا البطل الإسلامي العظيم، وتزعم هذه الرواية أن علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان قد انتدبا أبا موسى الأشعري وعمرو بن العاص ليتباحثا في شأن الصلح، فاتفق الاثنان على خلع علي ومعاوية، فقال أبو موسى أمام الناس إني أخلع عليًا كما أخلع هذا الخاتم، وعندها قام عمرو بن العاص بخيانة أبي موسى وقال إني أثبت معاوية كما ألبس هذا الخاتم في إصبعي، ثم قام الأول بنعت الثاني بالكلب، فقام الثاني بنعت الأول بالحمار. . . انتهت الرواية! أقول أنا: إن هذه الرواية وإن كانت قد وردت بالفعل في أهم كتاب للتاريخ الإسلامي "تاريخ الطبري" إلّا أن هذه الرواية لا تصح سندًا ولا متنًا، والسند هو التسلسل البشري للرواة من الراوي الأول وحتى الراوي الذي كتب الرواية، أما المتن فهو القصة نفسها، والحقيقة أن الطبري رحمه اللَّه أكد في بداية كتابه أنه لم يدون في كتابه الروايات الصحيحة فقط، بل قام بتدوين كل الروايات، الصحيحة منها والمكذوبة، تاركًا مهمة تصحيحها لفرسان التاريخ من بعده، غير أن الطبري جزاه اللَّه كل خير قام بتدوين سند كل رواية بكل دقة، ورواية التحكيم تلك بها راوٍ يُسمى بأبي مخنف لوط بن يحيى، وأبو مخنف هذا شيعي رافضي كذاب طعن به كل الرواة فقال عنه ابن عساكر: رافضي ليس بثقة، وقال عنه ابن حجر: إخباري تالف لا يوثق به، ووصفه ابن