للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

صحابي واحد من صحابة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- الذين هم أفضل خلق اللَّه على وجه الأرض بعد الأنبياء والرسل!

ولكن الحقيقة أن سيرة نور الدين زنكي تشبه إلى حد بعيد سيرة الخلفاء الراشدين بالفعل، فهذا الملك التركي الأسمر هو الرجل الذي أحيى اللَّه به أمة الإِسلام بعد أن كادت تموت في القرن السادس الهجري، فيكفيك أن تعلم أن نور الدين الشهيد ظهر في زمانٍ استولى فيه الشيعة الرافضة على معظم بلاد الإِسلام، فلقد استولى (البويهيون) الشيعة على دولة الخلافة في بغداد، واستولى (العبيديون) الشيعة على مصر والمغرب الإِسلامي، ففتح الشيعة بذلك المجال للصليبيين لكي يستولوا على القدس، وكعادة عظماء أمة الإِسلام، فإن هذه الأوقات هي الأوقات التي يخرجون فيها للنور، وفعلًا. . . . . خرج للنور نور الدين، فأنار الدروب، ووحد الصفوف، وجمع الشمل، وما هي إلا سنوات قليلة، حتى كانت دولته تمتد من بلاد فارس في الشرق إلى حدود ليبيا في الغرب، ومن هضبة الأناضول في الشمال، إلى جبال اليمن في الجنوب، فأصبحت مسألة النصر على الصليبيين مسألة وقتٍ ليس أكثر، بل إن محمود نور الدين لم يرَ نصر حطين بعينيه، على الرغم من أنه كان مؤمنًا بالنصر، لدرجة دعته لبناء منبر لكي يوضع في المسجد الأقصى بعد تحريره، ولكنه مات قبل ذلك، فلم يُقدّر له أن يحضره بنفسه إلى القدس، فأحضره تلميذه صلاح الدين الذي أكمل طريقه في مقارعة الصليبيين، فالمنبر المعروف باسم منبر صلاح الدين هو في الأصل ذلك المنبر الذي بناه نور الدين الشهيد رحمه اللَّه (بقي هذا المنبر في المسجد الأقصى حتى يوم ٢١ آب (أغسطس) سنة ١٩٦٩ م عندما أحرقه إرهابي صهيوني اسمه مايكل روهان!).

وعلى الرغم من مكانة الملك محمود نور الدين زنكي العظيمة، وعلى الرغم من عظمة سلطانه واتساع ملكه، فإنه كان يتوسل إلى اللَّه قبل كل معركة بخشوع المؤمن، ففي ليلة من الليالي، خرج نور الدين في عتمة الليل إلى فناء مهجور، وقد استعد بجيشه الصغير لقتال جحافل الصليبيين الذين يحاصرون مدينة "دمياط" المصرية، فرفع الملك محمود يديه في السماء، وسجد على الأرض، ولطخ رأسه بالتراب وأخذ يبكي ويدعو اللَّه بانكسار:

"اللهم إنك إن نصرت فدينك نصرت، فلا تمنعهم النصر بسبب محمود إن كان غير

<<  <   >  >>