بغداد وقتل أهلها المسلمين الذين استقبلوهم!!!). كما جذبت بغداد الأطباءَ والمهندسين وسائر الصناع، فأصبحت بغداد في عهد الرشيد المدينة الأولى في العالم بأسره من حيث التقدم الحضاري والتفوق العلمي والازدهار السكاني والعمراني، في ذات الوقت الذي كانت فيه مدنًا مثل باريس ولندن وبرلين غارقة في أوحال الظلام والتخلف الحضاري الرهيب!
أما في مجال الجهاد. . . فحدِّث ولا حرج! فهذا الخليفة الإسلامي العملاق والذي صوَّروه لنا وكأنه طبَّالٌ راقص، لم يكن من أعظم فاتحي المسلمين فحسب، بل كان من أعظم فاتحي البشرية على الإطلاق، فلا (نابليون) الذي تتغنى به فرنسا، ولا (تشرشل) الذي يفتخر به الإنجليز، ولا حتى (الإسكندر المقدوني) نفسه كانوا يملكون نصف ما ملكه الرشيد رحمه اللَّه، فقد حكمها الرشيد من صينها إلى مغربها، ومن صحرائها الكبرى في قلب أفريقيا إلى قوقازها في مجاهل أوروبا، والعجيب أن هارون الرشيد تمكن من إدارة هذه الإمبراطورية الضخمة، المختلفة البيئات، والمتعددة العادات والتقاليد، وهو في سن التي ٢٥ فقط! آخذين في عين الاعتبار صعوبة وسائل الاتصال والمواصلات في ذلك الوقت المبكر من التاريخ. فقد قام الرشيد بتنظيم الثغور المطلة على بلاد الروم على نحو لم يعرف من قبل، وعمّر الرشيد بعض مدن الثغور، وأنشأ الرشيد مدينة جديدة عرفت باسم "الهارونية" على الثغور، وأعاد الرشيد إلى الأسطول الإسلامي نشاطه وحيويته، ليواصل ويدعم جهاده مع الروم ويسيطر على الملاحة في البحر المتوسط، فأقام دارًا لصناعة السفن، وفكر في ربط البحر الأحمر بالبحر المتوسط كما أسلفنا، وفي عهد الرشيد عاد المسلمون إلى غزو سواحل أوروبا، ففتحوا بعض الجزر واتخذوها قاعدة لهم، مثلما كان الحال في زمن الأمويين طيّبي الذكر، فأعاد الرشيد فتح "رودس" في جنوب إيطاليا سنة ١٧٥ هـ - ٧٩١ م، وأغارت الأساطيل الهارونية على "أقريطش"(كريت) و"قبرص" سنة ١٩٥ هـ - ٨٠٦ م. واضطرت دولة الروم أمام ضربات الرشيد المتلاحقة إلى طلب الهدنة والمصالحة، فعقدت (إيريني) ملكة الروم صلحًا مع الرشيد، مقابل دفع الجزية السنوية له في سنة ١٨١ هـ - ٧٩٧ م، حتى قتلها متمردٌ اسمه (نقفور) واستولى على الحكم في بلاد الروم، ١٨٦ هـ -٨٠٢ م،