بدرهم، وينظمونه عقودًا لنسائهم. وهم أقذر خلق اللَّه لا يستنجون من غائط ولا بول، ولا يغتسلون من جنابة، ولا يغسلون أيديهم من الطعام، بل هم كالحمير الضالة، يجيئون من بلدهم فيُرسون سفنهم بإتل، وهو نهر كبير، ويبنون على شطه بيوتًا كبارًا من الخشب. ولا بد لهم في كل يوم من غسل وجوههم ورؤوسهم بأقذر ماء يكون وأطفسه. وذلك أن الجارية توافي كل يوم بالغداة، ومعها قصعة كبيرة فيها ماء، فتدفعها إلى مولاها فيغسل فيها يديه ووجهه، وشعر رأسه فيغسله ويسرّحه بالمشط في القصعة، ثم يتمخط ويبصق فيها، ولا يدع شيئًا من القذر إلا فعله في ذلك الماء، فإذا فرغ مما يحتاج إليه حملت الجارية القصعة إلى الذي جانبه ففعل مثل فعل صاحبه، ولا تزال ترفعها من واحد إلى واحد حتى تديرها على جميع من في البيت. وكل واحد منهم يتمخط ويبصق فيها ويغسل وجهه وشعره فيها. وساعة توافي سفنهم إلى هذا المرسى يخرج كل واحد منهم ومعه خبز ولحم وبصل ولبن ونبيذ، حتى يوافي خشبة طويلة منصوبة، لها وجه يشبه وجه الإنسان، وحولها صور صغار، وخلف تلك الصور خشب طوال قد نصبت في الأرض، فيوافي إلى الصورة الكبيرة ويسجد لها، ثم يترك الذي معه بين يدي الخشبة -ويقول لها:"يا ربي! أريد أن ترزقني تاجرًا معه دنانير ودراهم كثيرة فيشتري مني كل ما أريد ولا يخالفني فيما أقول"؛ ثم ينصرف. فإذا تعسر عليه بيعه وطالت أيامه، عاد بهدية ثانية وثالثة، فإنْ تعذر ما يريد، حمل إلى كل صورة من تلك الصور الصغار هديةً، وسألها الشفاعة، وقال:"هؤلاء نساء ربنا وبناته وبنوه"، لا يزال يطلب إلى صورة صورة يسألها، ويستشفع بها ويتضرع بين يديها، فربما تسهّل له البيع فباع، فيقول:"قد قضي ربي حاجتي، وأحتاج أن أكافيه". فيعمد إلى عدة من الغنم أو البقر فيقتلها ويتصدق ببعض اللحم، ويحمل الباقي فيطرحه بين يدي تلك الخشبة الكبيرة والصغار التي حولها. ويعلق رؤوس البقر أو الغنم على ذلك الخشب المنصوب في الأرض. فإذا كان الليل وافت الكلاب فأكلت جميع ذلك، فيقول الذي فعله:"قد رضي ربي عني وأكل هديّتي! " وإذا مرض منهم الواحد ضربوا له خيمة ناحيةً عنهم، وطرحوه فيها، وجعلوا معه شيئًا من الخبز والماء، ولا يقربونه ولا يكلمونه، بل لا يتعاهدونه في كل أيام مرضه لا سيما إن كان ضعيفًا أو مملوكًا. فإن برئ وقام رجع إليهم، وإن مات أحرقوه، فإن كان