قبل أن أفصل أكثر أحب أن أفسر سبب اقتصار ظهور القادة العظماء في زمن انهيارات الدول الإسلامية بالذات، والحقيقة أن السبب يكمن في أمرٍ وحيدٍ يميز المسلمين بشكلٍ عامٍ -قادة وشعوبًا- ألا وهو:
أن عظمة المسلم لا تظهر إلى في وقت الشدة!
وكنّا قد ذكرنا أن الأخوين باربروسا (عروج وخير الدين) رحمهما اللَّه، كانا قد أنقذا المسلمين الأوروبيين في الأندلس من محاكم التفتيش، فقاما بتنفيذ أمر الخلفاء العثمانيين -جزاهم اللَّه كل خير- بنقل عشرات الآلاف من المسلمين إلى الجزائر وشمال أفريقيا على متن سفن الأسطول العثماني، والحقيقة أن الإسبان المسيحيين لم يقتلوا المسلمين فحسب، بل قتلوا كل من هو ليس كاثوليكي حتى ولو كان مسيحيًّا بروتستانتيًا! فكان اليهود أيضًا ضحية لإرهاب الإسبان الكاثوليك على الرغم من كل الخدمات التي قدمها اليهود للإسبان ضد مسلمي الأندلس! حينها لم يجد اليهود غير المسلمين لإنقاذهم من إرهاب المسيحييين المتطرفين في إسبانيا! فقام الأخوان بارباروسا بحملهم على سفن الخلافة العثمانية إلى ديار المسلمين، ليلقن الإسلام البشرَ درسًا كبيرًا في معنى الإنسانية والتسامح الديني، ليس ذلك فحسب، فلقد قامت الخلافة الإسلامية العثمانية باستقبال العائلات اليهودية الهاربة من روسيا وفرنسا وإنجلترا بعد أن طردوا اليهود من بلدانهم مدّعين أن أحدًا لا يستطيع العيش مع اليهود لغدرهم وخياناتهم -على حسب ادعاءاتهم! والحقيقة أن المسلمين بصفة عامة تعلموا من محمد رسول الرحمة عدم الحكم المسبق على البشر، فلقد عاش الرسول مع اليهود بسلام في المدينة المنورة، ولم يحاربهم إلا بعد خياناتهم المتكررة (قام بنو قريظة بفتح بوابات المدينة للأحزاب ليتمكنوا من قتل المسلمين المدنيين!)، فقد حرَّم الإسلام قتل اليهودي لكونه يهوديًا أو قتل المسيحي من أجل دينه، ولقد تجسد هذا الدرس المحمدي بشكل لم تعرفه البشرية من قبل (ولا من بعد) في قرطبة الأندلسية حين كان اليهود والنصارى يعيشون في كنف الدولة الإسلامية!