تسيل دموعهم وهم يتلونه، فلم يصدق هذا القائد ما رآه، فأسرع برسالة إلى الملك لوذريق في "طليطلة" العاصمة بكتاب من جملة واحدة: "أدركنا يا لوذريق فإنه قد نزل علينا قوم لا ندري أهم من أهل الأرض أم من أهل السماء! ".
وفعلًا تقدم الملك لوذريق بجيش قوامه ١٠٠ ألف فارس مجهزين بأحدث الأسلحة، وقد أمرهم لوذريق أن يجلبوا معهم حبالًا كثيرة لربط المسلمين بها بعد أن يهزمهم، فأرسل طارق بن زياد إلى القائد العام للمسلمين في أفريقيا يطلب منه المدد، فوصل مدد إسلامي لطارق قوامه ٥ آلاف مقاتل فقط ليصبح مجموع جيش المسلمين ١٢ ألف جلهم من المشاة مقابل ١٠٠ ألف فارس من النصارى القوط. والتقى الجيشان في معركة "وادي برباط" الخالدة في ٢٨ رمضان من عام ٩٢ هـ، هذه المعركة التي لا نعرف عنها شيئًا لا تقل عظمة عن معركتي "اليرموك" و"القادسية".
وبدأت المعركة. . . . واندفعت أمواج النصارى نحو المسلمين كالموج الهادر، ولكن شتان ما بين جيشين اختصموا في اللَّه، فئة تقاتل ومعها الحبال وفئة تقاتل ومعها اللَّه! وبعد ٨ أيام من القتال فيها عيد الفطر، وبعد استشهاد ٣ آلاف مسلم، انتصر المسلمون، وقتل المسلمون الملكَ المغرور لوذريق صاحب الحبال، فانطلق طارق يفتح المدن الأندلسية واحدة تلو الأخرى دون قتال، بعد ما سمعه الشعب الأندلسي عن شراسة هذا الجيش المرعب وسماحة الحكم الإسلامي، لتنتشر كتائب النور الإسلامية في رحاب الأندلس تنشر الإسلام في ربوعها لتنير شعلة التوحيد في هذه البلاد من جديد!
هناك مسألة خطيرة وجب التنبيه إليها ونحن نذكر قصة هذا القائد العظيم. . . . ألا وهي تلك المقولة التي ورثناها أبًّا عن جد ودرسناها في مدارسنا وأصبحت وكأنها حقيقة كونية، ألا وهي المقولة التي نسبت للقائد الإسلامي طارق بن زياد "البحر من خلفكم والعدو من أمامكم". والحقيقة أن هذه الرواية ما هي إلا رواية كاذبة ومزورة وضعها المستشرقون ليبرِّروا هزيمة ١٠٠ ألف من النصارى أمام ١٢ ألف من المسلمين، أولئك المستشرقون أرادوا إيهامنا أن المسلمين إنما قاتلوا الصليبيين مكرهين لعدم وجود سفن للهروب! ولعل أولئك المستشرقين لم يفهموا بعد أن المسلمين يبحثون عن الشهادة بحثًا، وكأن المسلمين انتصروا يومًا بكثرة العدد؟! ثم إن هذه الرواية لم ترد أبدًا في