للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

صحةَ هذا القول لكان راجعًا إلى الأول.

ولفظة (ويل) تتعدَّى بالَّلام، ولذا عَدَّاه به في قوله: {فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ}، وهو مبتدأٌ خبرُهُ جملة للذين، وإنما سُوِّغَ الابتداء بهذه النكرة؛ لأنَّها مشمَّةٌ معنى الدُّعاء، وقد تقرّر في علم العربيَّة أن النَّكرة إذا كانتْ مشمَّةٌ معنى الدُّعاء بخير أو بشرِّ كان ذلك مُسوِّغا للابتداء بها، ومثالُهُ في الدُّعاء بالخير: {قَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ} [هود: ٦٩]، سلامٌ عليكم مبتدأٌ سَوِّغَ الابتداءً به أنَّهُ في مَعْرِض الدُّعاء، والدُّعاء في الشَّرِّ كقوله هنا: فويل؛ أي: هلاكٌ عظيمٌ لا خلاص منه للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله، وهؤلاء اليهود -قبَّحهم الله- كانوا يأخذون أوراقًا وقراطيس ينقلون فيها من التَّوراة، يقولون مثلًا في المحل الفلاني من التَّوراة كذا، وكذا، ويكتبون أمورًا باطلة ليست في كتاب الله كما يأتي في قوله: {تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا} [الأنعام: ٩١]، وهذا الذي يكتبونَهُ بأيديهم في هذه القراطيس كذبٌ مختلَقٌ على الله جلَّ وعلا، وهذا الاختلاقُ والتحريف إنّما فعلوه ليتعوَّضوا به عَرَضًا من عَرَضِ الدُّنيا، ذلك أنَّهم لو أخبروا بالواقع لآمنَ كلُّ الناس فيكونون تَبَعًا لا متبوعين، وضاعت عليهم رئاسةُ الدِّين والأموال التي كانوا يأخذونها عن

<<  <   >  >>