ولم يقل: ولكن تعمي الأدمغة التي في الرؤوس. كما ترى، فقد صَرَّحَ في آية الحج هذه بأن القلوب هي التي يُعْقَل بها، وما ذاك إلا لأنَّها محلُّ العقل كما ترى، ثم أكَّدَ ذلك تأكيدًا لا يترك شبهةً ولا لَبْسًا فقال:{وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ}؛ فتأمَّل قوله:{الَّتِي فِي الصُّدُورِ} تفهم ما فيه من التَّأكيد والإيضاح؛ ومعناه: أن القلوب التي في الصُّدور هي التي تعمى إذا سَلَب اللهُ منها نورَ العقل فلا تُميِّز بعد عَماها بين الحق والباطل، ولا بين الحَسَن والقبيح، ولا بين النَّافع والضار، وهو صريحٌ بأَنَّ الذي يميَّز به كل ذلك هو العقل، ومحلُّه في القَلب.
وقال الله تعالى:{خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ} الآية [البقرة: ٧]، ولم يقل: على أدمغتهم.
وقال تعالى:{إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ} الآية [الكهف: ٥٧]، ومفهوم مخالفة الآية أنَّه لو لم يجعل الأَكنَّة على قلوبهم لفقهوهُ بقلوبهم؛ وذلك لأنَّ محلَّ العقل القلبُ كما تَرى؛ ولم يقل: إنَّا جعلنا على أدمغتهم أكنَّةَ أنْ يفقهوه.