الجوارح كلَّها تَبَعٌ له كما قال - صلى الله عليه وسلم -:"إنَّ في الجَسَد مضغةً إذا صلحت صلح الجسد كُلُّهُ، وإذا فسدت فسد الجسد كُلهُ ألا وهي القلب".
فظهر بذلك دلالة الآيتين المذكورتين على أنَّ المصدر الأول للإيمان القلب، فإذا آمنَ القلب آمنت الجوارح بفعل المأمورات وترك المنهيات؛ لأنَّ القلب أمير البدن وذلك يدل دلالةً واضحةً على أن القلب ما كان كذلك إلّا لأنّه محلُّ العقل الذي به الإدراك والفهم كما ترى.
وقال تعالى:{وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ} الآية [البقرة: ٢٨٣]، فأسند الإثم بكتم الشَّهادة للقلب، ولم يسنده للدماغ؛ وذلك يدل على أنَّ كتم الشهادة الذي هو سَبَبُ الإثم واقعٌ عن عَمد، وأن محلَّ ذلك العمد القلب، وذلك لأنه محل العقل الذي يحصل به الإدراك، وقصْدُ الطاعة وقصْدُ المعصية كما ترى.
وقال تعالى في حَفْصة وعائشة -رضي الله عنهما-: {إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَ} الآية [التحريم: ٤]، أي: مالت قلوبُكُما إلى أمر تعلمان أنّه - صلى الله عليه وسلم - يكرهه؛ سواء قلنا: إنَّه تحريم شُرب العسل الذي كانت تسقيه إياه إحدى نسائه، أو قلنا: إنّه تحريم جاريته مارية؛ فقوله: صغت