للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المفتي شارعاً من وجه، وأنه نائب عن صاحب الشرع في التبليغ، وفي أن يتخذ أسوة (١).

وكما أن هذا القول يمثل أحد الوجهين عند الحنابلة، فإنه كذلك عند الشافعية. فحينما رأى أصحابه نصه، أنه لا يجوز بيع الباقلاء الأخضر، ثم اشتراه في مرضه، اختلفوا في تخريج مذهب له من ذلك على وجهين، وذكروا مثل ذلك رفي إقامة جمعتين في مكان واحد لما دخل بغداد (٢).

ومما يمثل ذلك من أفعال الإمام أحمد- رحمه الله- ما رواه المروذي عنه (٣) في طهارته، أنه غسل لحيته حتى وصل الماء إلى أصول شعره (٤) وقد استند الإمام مالك- رحمه الله- في الموطأ إلى مثل ذلك، بشأن صيام يوم الجمعة، فهو وإن كان دليلاً مضافاً إلى غيره، لكنه يتعلق بعد الفعل مذهباً لفاعله؛ وبصحة نسبته إليه. قال: وقد رأيت بعض أهل العلم يصومه، وأراه كان يتحراه (٥). وعلى هذا القول ينظر إلى فعل الأئمة وتركهم، كما ينظر إلى فعل الرسول- صلى الله عليه وسلم- وينقسم كما تنقسم أفعاله- صلى الله عليه وسلم-، فإن فعله على وجه العبادة أو التدين دل على استحبابه عنده، وإن فعله على غير وجه التعبد ففي دلالته الوجهان. وأن ما يروي عن الأئمة من أنواع التعبدات والتزهدات


(١) = ١/ ٧٥، معجم المؤلفين ١/ ١١٨.
() الموافقات ٤/ ٢٤٦ وما بعدها.
(٢) مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ١٩/ ١٥٣ ولاحظ تفاصيل المسألة في المجموع ٤/ ٥٨٤ - ٥٩٠ ووجه الاستدلال أن الشافعي حينما قدم بغداد وجدهم يصلون الجمعة في أكثر من مسجد، ولم ينكر ذلك، ولعل دلالة الفعل مأخوذة من كونه يصلي الجمعة في واحد من تلك المساجد، ولم ينكر على من صلى في غيره.
(٣) هو أبو بكر أحمد بن الحجاج المروذي. من أصحاب الإمام أحمد، وقد كان الإمام ينبسط إليه ويقدمه، لورعه وفقهه. روى عن أحمد مسائل كثيرة. وكانت وفاته ببغداد سنة ٢٧٥هـ.
راجع في ترجمته: طبقات الحنابلة ١/ ٥٦ وشذرات الذهب ٢/ ١٦٦.
(٤) تهذيب الأجوبة ص ٤٥.
(٥) شرح صحيح مسلم للنووي ٨/ ١٩.

<<  <   >  >>