للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الشارع وقياسهم المجتهد على الشارع غير مقبول إطلاقاً، وقد سبق لنا أن ناقشنا ذلك في مسألة التخريج على أفعال وتقريرات الإمام. ونحن نعلم أن الشارع تعبدنا بنصوصه، وتعبدنا بإجراء حكم ما نبه على علته، في مسألة من المسائل، في كل مسألة وجدت فيها تلك العلة، إلا أن يرد ما يخصصها، وهذا الأمر غير متحقق في المجتهد (١).

ولأن من الجائز أن يكون بين المسألتين فرق لم ينتبه إليه المخرج، فيخطئ في قياسه (٢)، فضلاً عن أن المجتهد ليس معصوماً، والخطأ منه محتمل، والتناقض في أحكامه جائز. وخروجاً من مأزق نسبة القول إلى الإمام، وادعاء أنه قوله، ينبغي أن يحترز في التعبير، وأن يقال: مقتضى ما قاله في المسألة الفلانية هو كذا، أو قياس مذهبه هو كذا، كما اختار ذلك ابن عابدين (ت ١٢٥٢هـ) (٣)، والله أعلم.

أمثلة للتخريج عن طريق القياس المستنبط العلة:

١ - إن المنصوص في مذهب الشافعية أن جراح العبد يكون من قيمته، كجراح الحر من ديته، لكنهم خرجوا قولاً آخر في المسألة، هو أن الواجب في جراحه، يكون بقدر ما حدث فيه من نقصان. فلو قطع ذكر العبد، وجب كمال قيمته على النص، كما هو الشأن في كمال الدية في الحر. وفي القول المخرج أنه لا يجب شيء، إذا لم يؤد ذلك إلى نقصان قيمته، قياساً على البهيمة (٤).

٢ - ومن ذلك ما لو نذر التصدق بمال، ونوى في نفسه قدراً معيناً، فقد نص أحمد- رحمه الله- في رواية أبي داود أنه لا يلزمه ما نواه.


(١) المعتمد ٢/ ٨٦٧، والتمهيد ٤/ ٣٦٨.
(٢) التمهيد ٤/ ٣٦٨.
(٣) شرح عقود رسم المفتي ١/ ٢٥ من مجموعة رسائل ابن عابدين.
(٤) الوجيز ٢/ ١٤٨.

<<  <   >  >>