للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وتخريجهم رأياً لمشايخهم في المسألة، هو أن الكفار لا يخاطبون بأداء ما يحتمل السقوط. وقد تنوعت تخريجاتهم وتوجيهاتهم فيها.

وهذه المسألة مما لم ينص عليها علماء الحنفية المتقدمون، ولكن بعض المتأخرين خرجوا لعلمائهم رأياً من مسائلهم، ومن خلافاتهم مع الإمام الشافعي - رحمه الله - في طائفة من الفروع (١).

فبعضهم خرج ذلك من أن المرتد إذا أسلم لا يلزمه قضاء صلاة الردة، خلافاً للشافعي - رحمه الله- فدل على أن المرتد الذي هو كافر، غير مخاطب بالصلاة عندهم (٢) وبعضهم خرج ذلك من أن المكلف إذا صلى في أول الوقت ثم ارتد، ثم أسلم والوقت باقٍ. فإن عليه الأداء، خلافاً للشافعي، وكذا لو حج ثم ارتد ثم أسلم. وبعضهم خرج ذلك من أن الشرائع ليست من الإيمان عند الحنفية، خلافاً للشافعي، فلا يكونون مخاطبين بأداء الشرائع المبنية على الإيمان.

وهذه تخريجات مرفوضة، أو ضعيفة، عند المحققين من علماء الحنفية، وقد أجابوا عنها بما يدل على أن علماءهم لم يقولوا بالأحكام المذكورة بسبب عدهم الكفار غير مخاطبين بالشرائع، بل لأسباب أخر (٣).

وصحح السرخسي وتابعه صدر الشريعة، أن هذا القول يؤخذ من قولهم إن من نذر أني صوم شهراً ثم ارتد ثم أسلم لم يجب عليه شيء.

قال السرخسي: (فعرف أن الردة تبطل وجوب أداء كل عبادة، فيكون هذا شبه التنصيص عن أصحابنا أن الخطاب بأداء الشرائع التي تحتمل السقوط لا يتناولهم ما لم يؤمنوا) (٤).

ولا شك أن مثل هذا الاختلاف في التخريجات، ومثل هذه الاعتراضات الموجهة إليها يعزز وجهة النظر القائلة بكثرة احتمالات الخطأ في


(١) التوضيح بشرح التلويح لصدر الشريعة ١/ ٢١٤ و٢١٥.
(٢) المصدر السابق، وأصول السرخسي ١/ ٧٥.
(٣) المصدران السابقان، ولاحظ فيهما الإجابة عن كل هذه التخريجات.
(٤) أصول السرخسي ١/ ٧٥ و٧٦.

<<  <   >  >>