سعيدهم إلى سابق مقرب وصاحب يمين مقتصد، وفيه دلالة على أن حاجة العباد إلى العلم كحاجتهم إلى المطر بل أعظم، وأنهم إذا فقدوا العلم فهم بمنزلة الأرض التي فقدت الغيث قال الإمام أحمد - رحمه الله -: «الناس محتاجون إلى العلم أكثر من حاجاتهم إلى الطعام والشراب، لأن الطعام والشراب يحتاج إليه في اليوم مرة أو مرتين والعلم يحتاج إليه بعدد الأنفاس ..»(١).
وإذا كان الأمر كذلك فقد عظم الخطب في إقامة الحجة، وانقطعت المعذرة في التساهيل في التعلم والعلم والتعليم، فمن رام النجاة، وأراد الفوز والفلاح فليقرع أبواب العلم، وليشمر عن ساعد الجد، وليبدأ بنفسه فيعلمها مالله عليها من حق ويثني بالأقرب من قراباته كأهله ... ثم سائر الناس. قال البخاري - رحمه الله -: باب تعليم الرجل أمته وأهله وأسند عن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال:«ثلاثة لهم أجران ... ورجل كانت عنده أمه فأدبها فأحسن تأديبها، وعلمها فأحسن تعليمها، ثم أعتقها فتزوجها فله أجران» قال الحافظ: (مطابقة الحديث للترجمة في الأمة بالنص وفي الأهل بالقياس، إذا الاعتناء بالأهل الحرائر في تعليم فرائض الله وسننه آكد من الاعتناء بالإماء). وصدق - رحمه الله - فتعليم الأهل العلم والأدب والعفة وحسن القوامة عليهن ومعاشرتهن بالمعروف مؤكد على الأزواج، وعلى المرأة كذلك مثل ما على الرجل من التعلم والتفقه في دين الله ومعرفة حدود ما أنزل على رسوله، خصوصًا أن الله قد كتب عليها ما لم يكتبه على الرجل كالحيض والنفاس، فجدير بكل مسلمة أن تتعلم هذه الأحكام وأن تتفقه فيها فقد بُليت بها وكتبها الله عليها، مع سائر أحكام دينها، ومؤكد عليها مع ذلك أن تحسن صحبة عشيرها، فحقه فوق حق الوالدين، وأن تقوم بذلك ابتغاء وجه الله واحتسابًا للأجر، ولها في الصالحات من الصحابيات رضي الله عنهن وعلى رأسهن أهل بيت النبوة فمن بعدهن أسوة حسنة.