إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
أما بعد:
«فإن حاجة الناس إلى الشريعة ضرورية فوق حاجتهم إلى كل شيء ولا نسبة لحاجتهم إلى علم الطب إليها، ألا ترى أن أكثر الناس يعيشون بغير طبيب إلا في بعض المدن الجامعة أما أهل البدو كلهم، وأهل الكفور (١) كلهم، وعامة بني آدم فلا يحتاجون إلى طبيب، وهم أصح أبدانًا وأقوى طبيعة ممن هو متقيِّد بطبيب، ولعلَّ أعمارهم متقاربة، وقد فطر الله بني آدم على تناول ما ينفعهم، واجتناب ما يضرهم وجعل لكل قوم عادة وعرفًا في استخراج ما يهجم عليهم من الأدواء، حتى إن كثيرًا من أصول الطب إنما أخذت عن عوائد الناس وعُرفهم وتجاربهم.
أما الشريعة فمبناها على تعريف مواقع رضي الله وسخطه في حركات العباد الاختيارية؛ فمبناها على الوحي المحض؛ لأن غاية ما يُقدّر في عدم الطعام والشراب موت البدن، وتعطل الروح عنه، وأمَّا ما يقدَّر عند عدم الشريعة ففساد الروح والقلب جملة وهلاك الأبد وشتَّان بين هذا وهلاك البدن بالموت فليس الناس قط إلى شيء أحوج منهم إلى معرفة ما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم -، والقيام به، والدعوة إليه، والصبر عليه، وجهاد من خرج عنه حتى يرجع إليه، وليس للعالم